تناقض بينهما في منطق العواطف، وإن تناقضا في النظر العقلي المجرد، وإذا كان المنطق العقلي المجرد لا يحتمل أكثر من نتيجة واحدة ومذهب واحد إذا تحدث الأسباب؛ فإن منطق العواطف يتسع لملايين الملاين من النتائج والمذاهب المتناقضة بقدر عدد النفوس العاطفة، ومنطق العواطف أصدق من كل هذا التناقض من كل منطق عقلي مجرد ولو كان أحكم الحكماء
والناس جميعاً في ذلك على نحو المعري والمتنبي كما يظهر من دراسة أحوالهم في كل زمان ومكان.
فيقول طرفة بن العبد على نحو قريب من نحو المتنبي لمن لامه في المغامرة بنفسه في الحرب والإسراف في اللذات
(ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وإن اشهد اللذات هل أنت مخلدي
إذا كنت لا تستطيع دفع منيتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي)
كما يقول أبو العتاهية على نحو قريب من نحو المعري:
(لدوا للموت وابنوا للخراب ... فكلكمو يصير إلى ذهاب)
أو قوله:
(أيلهو ويلعب من نفسه ... تموت ومنزله يخرب)
أو قوله:
(بين عيني كل حي ... علم الموت يلوح
كلنا في غفلة والم ... وت يغدو ويروح
نح على نفسك يا مس ... كين إن كنت تنوح
لنموتن وإن عم ... رت ما عمر نوح)
أو كقوله:
(ألم تر ريب الدهر في كل ساعة ... له عارض فيه المنية تلمع
أيا باني الدنيا لغيرك تبتني ... ويا جامع الدنيا لغيرك تجمع
أرى المرء وثابا على كل فرصة ... وللموت يوما - لا محالة مصرع)
وحب النفس مثل آخر لما يتصل بالطبائع والأخلاق والعواطف، فهل يتأدى بنا جميعا إلى