كان قد غدا مرة أخرى سعيدا بخدودا. . وزايلت وجهه سمات الحيرة والقلق! ولأنها كانت أجمعت أمرها على أن تنفرد دونه بالألم فقد أطبقت على السر الرهيب صدرها! وراحت تتحامل على نفسها لتحتفظ بمرحها وروحها العذبة. وكتمت السر طويلا حتى ضمر جسدها، وبانت عليها نهكة المرض. . ولكن الفتى لم يكن بحاجة لمن ينبئه بالحقيقة السافرة. . وقال لها: - ينبغي أن تعرضي نفسك على الطبيب مرة أخرى وتهالكت على المقعد في إعياء وهي تمسك براحتها صدرها قائلة: - لم تعرض فتاة معافية نفسها على طبيب؟ قال لها: - ولكنك لست معافية يا حبيبتي! ومضى بها إلى الطبيب ورأى الطبيب بنظرة واحدة أن المرض قد عاد. ففي خلال أسابيع التستر والتكتم الطويلة تقدم تقدما حثيثا وأصبح لا غناء في أية جراحة ولا جداء في أي علاج! أينبئهما بالحقيقة؟ ما الخير في ذلك؟. . ليس من شيء يمكن أن يوقف تقدم المرض. إن إنباءها بالحقيقة معناه أن يغرقها وفتاها في ظلمات اليأس القاتل. .! لقد كانت أيامها معدودة. . فلم لا يجعل حياتها فيما يستطيع خالية من الشقاء والتعاسة. .؟ وفي حال من التأثر بهذه الروح الإنسانية الغالية قال لها وهو يربت على كتفها في جذل مصطنع:
- لا محل إطلاقا لأوهامك وهواجسك فأنت معافاة سليمة.
- كثيراً ما يقسو الناس في أحكامهم على الطبيب إذا جاءت النتائج على عكس ما قال لهم. . البعض يتهمه بالغفلة. . والبعض الآخر بالشره. . وليس فيهم من يدرك الموقف الدقيق الذي تفرضه عليه بعض أمراضهم!. ولا من يدرك أنه بشر مثلهم. . وإن أقسى ما يشعر به هو أن يعجز عن أن يعيد الابتسامة إلى مكانها من شفاه مرضاه التعساء.!
وحدثت المريضة نفسها قائلة بعد أن غادرت عيادة الطبيب: - لشد ما خدعت نفسي. . وخدعتني أوهامي. . ولشد ما أنا آسفة على القلق الذي استسلمت له وتركته يأخذ بخناقي!. ولا شك أن الفتى قال لنفسه بعد أيام من زيارتهما للطبيب:
- لقد أكد الطبيب أن صحتها على ما يرام وأكدت لي نفسها أنها في عافية. . ففيم إذن ضعف فتاتي وسقامها؟.
ومرة أخرى أقلقه الشك فأجمع أمره على أن يستشير طبيبا آخر. . وكنت أنا الطبيب الأخير الذي استشاره!. .