لا أغرس الغرس إلا في مسرقنة ... والغرس أجود ما يأتي بسرقين
وقد فرقت كتب اللغة بين السرقين والسماد، فالسرقين هو الزبل والروث وحده وأما السماد فهو السرقين مخلوطا برمل وتراب. وجاء الدمال بمعناه وبمعنى السرقين: يقال دمل الأرض أصلحها أو سرقتها. ومن مزاعمهم في التقاليد المروية عن محمد بن علي بن عبد الله أن (أول من دمل الأرض أي ألقي فيها السماد داود عم). وحكي الأصبهاني أن أول من جمع السماد بالبصرة وباعه هو عيسى بن سليمان بن علي العباسي من بيت الخلافة حينما كان أمير البصرة (وكانت له محابس يحبس فيها البياح ويبيعه فقال فيه أبو الشمقمق:
إذا رزق العباد فإن عيسى ... له رزق من (أعجاز) العباد
فلما تزوج عيسى فاطمة بنت عمرو بن حفص قال محمد بن عيينة في ذلك:
أفاطم قد تزوجت عيسى فأبشري ... لديه بذل عاجل غير آجل
فإنك قد زوجت من غير خيرة ... فتى من بني العباس ليس بعاقل
فإن قلت من رهط النبي فإنه ... وإن كان حر الأصل عبد الشمائل
رأيت أبا العباس يسمو بنفسه ... إلى بيع بياحاته والمباقل
ولم ترد لفظة البياح في المعجمات ولا في تكملة دوزي. وإنما جاء البياحة شبكة الحوت، وبعد طويل والبحث والتنقير وفقنا للعثور على الحديث الأتي في كتاب البخلاء لجاحظ قال:
(حدثني إبراهيم بن عبد العزيز قال: تغذيت مع راشد الأعور فأتونا بجام فيه بياح سبخي الذي يقال له الدارج، فجعلت آخذ الواحدة فأقطع رأسها ثم أعزله، ثم أشقها باثنين من قبل بطنها فآخذ شوكة الصلب والأضلاع فأعزلها، وأرمي باقي بطنها وبطرف الذنب والجناح، ثم أجمعها في لقمة واحدة وآكلها) ولا شك أن هذا الوصف هو وصف سمك كان بالبصرة تجمع رذالته ونفايته وما يرمي به من شوكة وأضلاعه وأطرافه وتحفظ في محبس لها حتى يغلب عليها العفن، فتباع على البساتين كالسماد. ومن ثم تكون البياحات في حكاية الأصبهاني المواقع التي يحبس فيها البياح والسماد. وهذا أقرب ما يبدو لنا في تفسير هذه الكلمة الغريبة
وقد فاتنا لا محالة كثير من اختبارات الأكرة وأرباب الضياع والبساتين وفنون علاجهم