وكذلك نساؤهم لا يرين في ذلك حرجا عليهن إذا سترت إحداهن وجهها ولم يعلم من هي)
وأشد ما الطلب على السماد في بغداد حتى بعث الطمع بعض أصحاب الرباع على احتكار ما كان يلقى على الكساحة والمزابل، قال بعضهم: نزلنا دارا بالكراء لكندي فكان في شرطه على السكان أن يكون له روث الدابة وبعر الشاة ونشوار العلوفة) ولابن السميسر في بلنسية وهي من أهم مغارس النارنج والبرتقال في إسبانية تطيف بها منهما حدائق وبساتين ملء البصر:
بلنسية بلدة جنة ... وفيها عيوب متى تختبر
فخارجها زهر كله ... وداخلها برك من قذر
ومن الغريب جدا أن يتنازع الناس إلى هذا الحد القبيح أوقار الأقذار! فهل كان سرقين الحيوانات دون الكفاية؟ ولعل أقرب ما يعلل به هذا الطلب الشديد أن ألبعار والأخثاء كانت تجفف وتدخر للوقود ولا سيما في البلاد التي قلت فيها الأحراج والغياض وتعددت الحمامات كما أشار إليه صاحب كتاب البخلاء حيث قال:(أما الفرث والبعر فحطب إذا جفف عجيب) ولا شك أن مثل هذه العادة كانت في الشرق معروفة شائعة منذ القدم، ولا تزال متبعة في القرى والجبال إلى اليوم وقد ألمح أليها الشعراء قال الهذلي:
صفر اللحي من وقود الأدخنات إذا ... رد الرفاد وكيف الحالب القرر
يقول هم صفر اللحى من الدخان، والأدخنات السرقين، والرفاد قدح ضخم، والقرر جمع قرة وهي البرد
وفيما عدا الوقود للاصطلاء كان السرقين تحمى به الحمامات وأتانين الملال صانع خبز الملة وتنانير الخبز. ومن مآثر طاهر بن الحسين أنه رأى يوما في قصره ببغداد (دخانا مرتفعا كريه الرائحة فتأذى فسأل عنه فقيل له إن الجيران يخبزون بالبعر والسرجين فقال: إن من اللؤم أن يقيم بمكان بتكلف الجيران شراء الخبز ومعاناته. . . اقصدوا الدور واكسروا التنانير واحصوا جميع من بها من رجل وامرأة وصبي وأجروا على كل واحد منهم خبزة وجميع ما يحتاج إليه. . . فسميت أيامه (الكفاية) وعزم أحد الخلفاء العباسيين