نطق محمد محمود بهذه الكلمات فألهب شعور الزيات كما قلت لك وأثار قلمه فأخرج إلى الناس أعظم مقال كتب في تاريخ الكرامة المصرية. . زولا تظن أنني أجامل الزيات بهذه العبارة الأخيرة أو أغلو في وصف أثر من آثاره، ولكنها كلمة حق من قلم لا يعرف المجاملة ولا يطيق الغلو ولا يفرق في النقد بين الصديق وغير الصديق! وإذا بقى في نفسك شيء من الشك فقرأ معي هذا المقال الذي إليك من الصفحة الحادية والستين من المجلد الثاني من كتاب (وحي الرسالة)، وهناك حيث يبرز لك الزيات على حقيقته من وراء السطور والكلمات:
(جلست كعادتي في عصر كل سبت أفكر في موضوعي الأسبوعي للرسالة، فتردد على خاطري المكدود معان شتى من وحي الساعة وحديث الناس وحواز القلوب، كمأساة حلحول في فلسطينن وصلة الجديد بالقديم في الأدب، فكنت أذودها بالفتور والإهمال، لأن معنى من المعاني القوية كان قد استبد بذهني منذ الصباح، فهو يرواده ويعاوده ويلح عليه حتى لم يكن من الكتابة فيه بد. ذلك هو بيان رئيس نادي الفروسية الذي بعث به إلى الأهرام) وطلب إليها أن تنشره في عدد اليوم. والذي استفزني من هذا البيان لهجته المنتفخة في الرد على رئيس الوزراء، والدفاع الظنين عن نظام الطبقات، والتفسير المجازف لكلمتي الفلاح والديمقراطية، والتلميح المحتزل إلى السامية والطورانية، فإن هذه مسائل دقيقة ما كان له أن يعرض لها بهذا الاستكبار في بيان دفاعي فيه عن التنصل أو الاعتذار! لست والحمد لله من طبقة أولئك المنادين إلى هذه (الكلبات) التي تتضاءل فيها الديمقراطية بين أرستقراطية الدم أو المال أو المنصب، فلا أزعم أني سمعت الأشداق الملوية تأمر، ورأيت الأنوف الوارمة تمتعض، ولكني قرأت كما قرأ الناس ثورة رئيس الشيوخ وزارة رئيس الحكومة، فعلمت والأسى يحز في الصدر أن لعض الذي جعلناهم عظماء وكبراء لا يزالون على عقلية ذلك التركي الفقير الذي كان يقرع الأبواب مستجديا، فإذا أجابه المجيب الفزع قال له في عنف وصلف وأنفة:(هات صدقة لسيدك محمد أغا).
ولا أدري ما الذي سوغ لهم أن يعتقدوا أن الله خلقهم من المسك للملك، وخلقنا من الطين للطين، وجعلهم للثروة والسيادة، وجعلنا للخدمة والعبادة؟ إن كانوا مسلمين فلإسلام قد محا الفروق بين الطبقات إلا البر والتقوى، فالعرب والعجم سواء، وقريش وباهلة أكفاء. وإن