للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانوا وطنيين فالوطن لا يعرف التفاضل بين أبنائه إلا بأثرهم في تقويته وترقيته وخدمته، فالفلاحون على درجته العليا، لنهم عماد ثروته وعدة دفاعه وقوة سلطانه، والكبراء على درجته السفلى، لأنهم فيه معنى السرف الذي يفقر، والترف الذي يوهن، والبطالة التي تميت! وبين هاتين الدرجتين تتفاوت مواقف الوزراء والزعماء على حسب ما لكل منهم عليه من فضل

لا يا سيدي الأمير! ليس نظام الطبقات هو القائم في مصر وأوربا كما تقول، فإن جعلك نفسك ونظراءك طبقة متميزة واقعة. إن مصر كلها من أعلى شلالها إلى أسفل دالها طبقة واحدة، فيها الغني والفقير، والمالك والجير، والصحيح والمريض، والعالم والجاهل، فهل تجعل كل حال من هذه الحالات طبقة؟ وهل تستطيع أن تعين لي الفرق بين طبقتك المرفوعة وطبقتنا الموضوعة إذا كان الدستور الذي تخضع له الطبقتان يستطيع أن يجعل ابن الخادم الذي ينظف لك الحذاء جليسك ورئيسك؟ لقد كان امتياز طبقتك أنك تمسك الكرباج ونحن نمسك الفأس، وتأكل الذهب ونحن نأكل التراب، وتعبد الشيطان ونحن نعبد الله، وتتكلم اللغة الأجنبية ونحن نتكلم العربية. فلما قيض الله لمصر العظيمة فؤادا العظيم فتزوج منا وحكم بنى وسعى لنا ونشأ على خلائقه المصرية المحض شبله المرموق (فاروق)، شعرنا بأن العرش يستقر على كواهلنا، والعلم يخفق على معاقلنا، والسلام الوطني يتردد في شعورنا، والحكومة تقوم بأمرنا، والنيل يجري بخيرنا، ورأينا حين أخذكم - رضوان الله عليه - بأدب الإسلام والشرق الذي بأطراف الغربة، وقبعتم في زويا العزلة، وكنتم من مصر وثروتها مكان البالوعة تطفح بعرق الفلاح ودمه لتصب في منافع البلدان الغربية!

لا يا سيدي الأمير! ليس المصريون في الجنسية والوطنية بمنزلة سواء، فإن منهم من تمصر بالقانون لا بالأصالة، وتوطن للمنفعة لا للعاطفة. وكيف يستوي في الميزان من يقف على مصر يده وقلبه وكسبه، ودمه لا يعرفها إلا معرفة الغرماء، ولا يعيش إلا شهور الشتاء، ولا يعنيه من أمرها إلا أجرة العامل وسوق القطن! كذلك من خالص الحق قولك: (إن حق الشخص في الانتساب إلى أمة إنما يناله بما يؤديه إلى وطنه من الخدمات سواء أكان ذلك بنفسه أم بأفراد أسرته من آبائه وأعمامه وأجداده وأجداد أجداده) فإن أموال أبيك

<<  <  ج:
ص:  >  >>