وكتبت في مذكرتي (عاهل الأردن أمير شرقي لا يفهم ضرورات ومستلزمات العصر الحالي التي قذفتنا الأقدار لنعيش فيه. وسط أمم قوية راقية تسير على هدى مدنية جبارة دافعة زاحفة ونحن نيام. . فالويل لنا والويل للمغلوب على أمره ممن هم على شاكلتنا. أننا نسير حتماً بخطوات واسعة إلى الفناء العاجل. . . كما سارت آشور وبابل وفرعون وثمود وعاد. . . أن الصمت والسكون والبيداء هي كل ما لدينا، وسيستمر هذا طويلاً حتى ننقرض وتذهب ريحنا كبعض الحيوانات التي تشغل بهياكلها العظيمة أركاناً في المتاحف وقاعات العرض. . . إذا لم نعمل عملاً حاسماً
وتناولت الغذاء بفندق فلادلفيا ثم دعيت عند الجنرال بك باشا الذي دعاني إلى زيارة مركز الجيش العربي والمدرسة الخاصة بأبناء الجنود والمسجد الذي أنشأه، كما دعيت إلى نادي ضباط الجيش ولقيت الكثير من الترحاب. وفي اليوم التالي توجهت إلى مدينة القدس، وأمضيت اليوم بالقنصلية المصرية مع أصدقاء عباس حلمي وحسين عزيز وأحمد عبد المجيد. .
وزرت الممرض العربي فلفتت أنظاري صور خالد بن الوليد وطارق بن زياد والمجاهد الطرابلسي عمر المختار، وهنا اغرورقت عيناي بالدموع إذ شعرت بأن الوسط العربي بالقدس أقرب إلى مشاعري وإحساسي من الوسط في مصر، ولكن نفسي كانت حزينة حتى النهاية. كان كل شيء يظهر أمامي كأنه مؤقت، وكان يبدو على العرب وهم يسيرون في الطرقات ويجلسون في المجتمعات أو يتحادثون في منازلهم وكأنهم على سفر منزل كسكان منزل قد أنذرهم صاحبه بالإخلاء السريع وهم يستعدون في أي وقت للرحيل العاجل. . .
ولم أنم تلك الليلة رغم تقليبي صفحات نسخة إنجليزية من الكتاب المقدس. لقد نسيت كل ما مر بي، في شرق الأردن وعلى جسر النبي وأجنحة المعرض العربي وحديث أخواني، وترحيب رجال العرب وتناول العشاء في مطعم يهودي وسماع تلك الموسيقى الغربية التي تقدمها فرقة من الفتيات المهاجرات في أواسط أوربا. لقد جعلني كل هذا أسرح في المستقبل البعيد، وكان كل ما حولي يدعو إلى التأمل والتساؤل. . .
أما أنا فوجدت في تلك النغمات الأوربية الإجابة على سؤال العاهل العربي العظيم. ما