احتقبته، عسا أن يذهب عن نفسي ما ألم بها فأشتاق إلى المتاعب الممتعة
أحب من الأدب - أكثر مما أحب - ذلك النوع الذي يتخذ كاتبه أخاه الإنسان موضوعا له، على أنه أخوه. . أخوه كيفما كان، لا يترفع عنه لأن الأقدار أو الأسباب الاجتماعية أرادت له الحرمان والجهل وسوء الحال، لا يتخذه إلهية ولا طرفة يلهى بها ويطرف، بل يراه أخا له يرثي لحاله ويأسو جراحه ويلتمس له - كمطلق إنسان - البرء والسعادة
وعندما قلت (أعرف نزعة شاكر) كنت أعني تسديده إلى ذلك الهدف الذي أحببت أن أرافقه - بقراءته - في الاتجاه إليه
هذه قصة (عهد جديد) - وهي قصة كبيرة جعلها في مقدمة المجموعة وسماها باسمها - تعرض لنا أسرة جزار عراقي جعل الكاتب نفسه أحد أبناءه وتحدث بلسانه كدابة في سائر القصص، ولابد أنه يتخذ هذه الطريقة - طريقة التحدث بضمير المتكلم - استكمالا للاندماج في جو القصة، وهو وأن كان تخيلا إلا أن ضلال شخصية الكاتب تظهر في كثير من قصصه، كالقصص التي يصور فيها حياة شباب ينزلون في القاهرة لدى أسر (بنسيون)
نعود إلى قصة (عهد جديد) فنراه يصور لنا حياة تلك الأسرة تصويرا ينقلنا إلى ذلك البيت الصغير الذي تعيش فيه، وكأننا نجالس الرجل وابنيه ونؤاكلهم على الحصير الذي يفترشونه في مدخل البيت. والحادثة التي تدور عليها القصة في غاية البساطة وهي تتلخص في أن الجزار يعامل أسرته بخشونة وغلضة، وخاصة زوجته وابنه الكبير، فلا يفتأ يوبخ الولد على كل تصرفاته، ويوجه إلى أمه قوارص الكلم، فيثور الابن وينفجر في وجه أبيه محتجا على إهانة أمه في إحدى المرات، ويغادر المنزل والبلد (الحلة). . . وتمر أيام لا يعلمون له مقرا ولا مرتحلا؛ حتى يهتدي الوالد إلى أنه رحل إلى كربلاء ليعمل عند قصاب هناك على أن يستدعي أمه لتعيش معه بعيدا عن أبيه الفض الغليظ، فيجزع الرجل ويلين جانبه ويخفض صوته ويحسن ألفاظه، ثم يبعث بزوجته إلى كربلاء، فتعود بولدهما، وما يراه الأب حتى يخرج من صلاته ويتجه إلى ابنه فرحا قائلا بصوت متهدج: الحمد لله على السلامة يا نجم!
الوقائع الظاهرة قليلة بسيطة، ولكن الكاتب يأخذنا إلى وقائع وأحفل، هي التي تجري في نفوس أفراد الأسرة جميعاً، فبعد أن عرفنا شخصية كل منهم عن طريق تصرفاته جعل