يحركهم عندما وقعت المحنة التي زلزلت أركان البيت، وهي اختفاء نجم، جعل يحرك مشاعرهم ويصف حركاتهم وفقا لطبيعتهم، فالأخت البكاءة (أم دمعة) لا تنفك عن البكاء، والأخت الجامدة تعبر عن التياعها لاختفاء أخيها بجمودها. . على طريقتها! وقد أفاض في وصف المعالم الظاهرة والدقائق النفسية، وهو في كل ذلك يسير في خطة القصة المؤدي إلى نهايتها والمعرض عن عقدتها وهي تغير الأب من حال إلى حال واستئناف الأسرة عهدا جديدا صار فيه الرجل الجافي إنساناً رقيقا.
وتتمثل في هذه القصة خصائص قصاصنا الشاب، وأولاها نظرته الإنسانية، فقد نقد الأب وصور حماقته نقداً وتصويراً بالغين ولكنه ما تخلى عن العطف عليه كإنسان مسكين ظل سواء السبيل ثم اهتدى أو هدى إليه
وثانية الخصائص دقة الرسم مع تجنب الفضول، فقد عرفنا بكل شخصية من الشخصيات حتى كأنهم من معارفنا الأقدمين وحتى لأحسبني أن ذهبت إلى (الحلة) سأبحث فيها عن منزل ذلك القصاب وأسأله عن أفراد أسرته لأطمئن على حالهم جميعاً! وهو يفيض بالحديث عن أشياء فلا يمل لأنك تشعر انك في طريق القصة لم يعرج بك إلى هنا أو هناك، وفي خلال هذا الحديث تتجسم لك أصالة الكاتب في تصوير البيئة، وفي إجراء الكلام على ألسنة الأشخاص بما يناسب حالهم، فالجزار مثلاً يشبه زوجته بالنعجة، وابنه بالخروف؛ وأبناء هذه الأيام بالجاموس الهائج!
وثالثة الخصائص التي ألمحها في قصص شاكر خصباك هي النقد الاجتماعي فليست واقعيته من قبيل (التصوير الفوتوغرافي) وإنما هو ينظر إلى ما وراء الظواهر لينفذ إلى الحقائق ويلقي الضوء على ما يعترضه من مظاهر الحياة الإنسانية، وفي كثير من قصصه أهداف بعيدة، كقصة (أغلال) التي يثير فيها قضية حب بين حمال وإحدى طالبات المدارس، فيصور الفارق الاجتماعي بينهما عائقاً ظالماً، أليس للحمال قلب كغيره من الناس!
وأنت بعد كل ذلك تحس روح القصاص العذبة وظله الخفيف وطلاوته التي تأسرك وتشوقك إلى النهاية، على رغم ابتعاده عن الأغراب وافتعال المفاجآت
وقبل أن أنظر إلى (الكفة الثانية) أحب أن أهنئ عالم الأدب العربي الحديث بهذا الشاب