للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كله، ومركز الفراغ كله. . وذلك حق لا سرية فيه، ولكن الأستاذ لم يبين السبب الذي من أجله حرم أبو العلاء من المرأة، وذلك لازم لفهم هذه الشخصية النادرة. والذي أراه أن أبا العلاء هو المسئول عن حرمانه من المرأة؛ لأنه حين صدمته الحياة سخط عليها سخطا شديدا دفعه إلى المجاهرة بآرائه الشاذة عن النسل، وعرفت عنه هذه الآراء، واشتهر هو بها، وأصبحت من عناصر شخصيته، وخصائص فلسفته، فلم يستطع أن يتراجع عنها، ولم يستطع كذلك أن يجعلها بمعزل عن حياته، حرصاً منه على مذهبه الفكري من مهاجمة الأعداء المتربصين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأنه كان عنيدا بكل ما في هذه الكلمة من معنى. وهكذا حرم أبو العلاء نفسه من المرأة روحها وجسدها، فكبرت عقدته النفسية، وازداد معها قلقه النفسي، وتبرمه بالناس وبالحياة

فشخصية أبي العلاء فيما نراه شخصية مريضة، ظلت طول حياتها تعاني كبتا جنسيا وآخر نفسياً. وهي المسؤولة عن هذين الكبتين أكثر من غيرها. وهناك سؤال وجه إلى الأستاذ المعداوي عن هذين البيتين من شعر جميل:

وأني لأرضى من بثينة بالذي ... لو أبصره الواشي لقرت بلابله

بلا، وبألا أستطيع، وبالمنى ... وبالأمل المرجو قد خاب أمله

والسائل يعترض على قول جميل: لم أبصره الواشي لقرت بلابله، ويرى في ذلك تغييراً لطبيعة الواشي الذي لا تقر بلابله حين يرى العاشقين على هذه الحال من الطهر والبراءة، ولكن تقر هذه البلابل حين يراهما في حالة مريبة!

وقد أجاب الأستاذ عن هذا السؤال بشرح للبيتين يتمثل جوهره في قوله: (هذا الواشي الذي يعنيه جميل لم (يبصر) هذا الذي يقنع به دائماً من حبه لبثينة، لو أبصر لما (تخيل. . لما تخيل أن كل محظور قد وقع في عالم المنظور)

وليس في هذا الكلام ما يدفع اعتراض السائل، وإنما يدفع اعتراضه أن نقول له أن الواشي هو في صميم طبيعته النفسية عاش مغلوب على أمره، أو حاسد يشقى بنعمة محسودة، وهو هنا في قول جميل عاشق لبثينة، وحاسد له؛ ومن شأن العاشق الحاسد أن (تقر بلابله) حين (يبصر) ما بين العاشق المحسود، ومعشوقه الذي يحسده عليه، فيعلم أنه شيء كالحرمان أن لم يكن أوجع منه، وأشد إيلاماً

<<  <  ج:
ص:  >  >>