لم يكن يدور بخلدي ساعتئذ أنني أستعد لأداء امتحان للترجمة بين الملك عبد الله بن الحسين واللورد لويد، إذ بعد دقائق دار حديث سياسي بين الرجلين العظيمين عن شؤون الشرق والبلاد العربية، وكان الملك يتتبع بنظراته كل كلمه أنطق بها وكان اللورد بما يعرفه من العربية يتتبع كل تعريب ونقل لآرائه.
ولا أخفي على القارئ أنني خرجت من الحديث وأنا أؤمن بوطنية الملك عبد الله بن الحسين، وعبقريته السياسية ووسائله في إقناع محدثه واجتذابه لصفه لقد وفق الملك الراحل بكلماته من أن يجعل اللورد الإنجليزي يعطف على قضية شرق الأردن، ويثق بمقدرة الملك العربي ولباقته وإخلاصه لمبادئه.
ولقد كان عبد الله بن الحسين مدافعاً عن حق العرب في فلسطين وشرق الأردن وفي سوريا ولبنان وفي العراق: كان يقول بأن الأمم العربية لها مطالب يجب على بريطانيا أن تجيبهم إليها إذ لهم حقوق ومواثيق ووعود. . . وأنه يجب أن تضع بريطانيا قبل أن تستعد للحرب عسكرياً، إجابة هذه المطالب في المقدمة، وأن صداقة العرب في أي نزاع أثمن لها من صداقة الغير، وأفيد لها عند الجد من تعبئة الجنود وزيادة القوة العسكرية في بلادهم.
قال إن العرب بطبعهم لا يميلون إلى إيطاليا بعد الدور الذي لعبته في طرابلس، وبعد أن نكلت جيوشها بالمجاهدين وبعمر المختار، وأنهم يطمئنون الى صداقة بريطانيا إذا أوفت بعهودها ومكنتهم من وحدهم وحريتهم واستقلالهم.
وكانت بريطانيا تخشى دعاية الطليان وآثارها، فقال إن أخطاء بريطانيا هي التي ستمكن لهذه الدعاية أن تتغلغل في أفكار العرب وتسمم نفسية الشباب نحو بريطانيا، وأن كل تردد أو موقف سلبي سيزيد هذه الدعاية ويقويها.
ولما سأله عن شرق الأردن قال إنه يتمتع باستقرار لا يتمتع به غيره من البلاد. . وأشار إلى سوريا التي كانت تجتاحها الأزمات ويقوم فيها ممثلو فرنسا بالتجربة وراء الأخرى.
وكان الملك يعلم بنية بريطانيا في زيادة قوات الطيران وفي زيادة قوات الحدود بشرق الأردن. . وهي القوه التي كانت تتحمل مصاريفها الحكومة وحكومة فلسطين، فقال بصراحة: إن الاعتماد على صداقة العرب أجدى من هذه الزيادة، ولكن الحصول على ثقة العرب يتطلب في المقام الأول منح العدالة لهم في فلسطين وصد تيار الهجرة إقناع سكان