فلسطين بأن الانتداب ليس معناه خدمة الصهيونية فحسب، بل الدفاع عن كيان العرب والمحافظة على حقوقهم وتأمين مستقبلهم. . .
لقد دهشت من منطق عبد الله بن الحسين، إذ ما كنت أتصور فيه تلك الجرأة في التعبير عن آرائه، أما اللورد الذي كانت إرادته هي كل شيء في مصر، وكانت عباراته قويه لدرجه أن وافقه اللورد عليها بل وأظهر عطفه على مطالب العرب وقال إن بلاده لم تسلم لفرنسا إلا باحتلال الساحل، إن سوريا كان مفهوماً ومتفقاً عليه أن تكون مستقلة لا ولاية ولا مستعمره تحتلها فرنسا وتفعل بها ما تشاء. وقال إن الانتداب يجب أن يتجه لحماية العرب من توغل اليهود في فلسطين، وكان اللورد بادي الانفعال لا يقدر على إخفاء مشاعره نحو العرب مندفعاً مع الملك في حديثه حينما وجد على المائدة طبقاً من الزنجبيل المسكر فأخذ يقدم ما فيه للملك ولي ويتناول منه قطعه وراء قطعه حتى اكتشف في النهاية سؤالاً نقلنا من كل هذا. . . إذ قال ما رأي الأمير في الملك عبد العزيز بن السعود؟ فالتفت إلي الملك وقال اسأله ما رأيه هو فيه؟ أريد أن أسمع حكمه أولاً. فتردد اللورد قليلاً ثم قال إني أعرف الحجاز تماماً وأعرف قبائله ورجال البادية في ربوعه إذ عشت هناك طول مدة الحرب الماضية، وقد قرأت كثيراً عن الملك عبد العزيز بن السعود وقدرت مواهبه ولكن الصورة التي انطبعت في مخيلتي عن جلالته، زالت حينما لقيته لأول مرة في الطائف وكان ذلك في سنة ١٩٢٥.
كنت أنتظر من رجل البادية الذي أسس ملكه بسيفه، وأستنقذ الرياض وجمع حوله الأخوان وربط بين أجزاء الجزيرة فكون منها وحده في القرن العشرين، رجلاً آخر. ولعل رؤيتي له في وقت كان يستعد فيه ويستجم بعد طول الجهاد والكفاح، أظهرته لي على غير حقيقته.
ولعلنا نحن معاشر الإنجليز نخطيً في الحكم لأول وهله، فنحن نراه رجلاً للبادية لا يستوعب ضرورات المدنية الحديثة وينفر من كل جديد، ولا نشك في أن فتح الحجاز كان عبئاً عليه، وإن هذه البلاد الفقيرة ستتحمل زيادة على فقرها استغلال السعوديين لمرافقها.
وكان الملك لبقاً في إجابته إذ قال إنه متفق تماماً على رأي اللورد في أن أهل الحجاز ما انفكوا يشكون في الإدارة السعودية وأنهم يأتون إلى عمان وينقلون أخبار الفاقة هناك.
وقال اللورد: إن الذي يهمنا هو استيعاب الأمن والنظام وإيجاد حكومات تشعر بأهمية ذلك.