للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تدعى (الطبيعة البشرية). غير ان الوجودية قد جاءت اخيرا فقلبت الوضع لانها قالت بان الوجود لدى الانسان ـ ولدى الانسان فقط ـ سابق على الماهية. وهذا يعني بكل بساطة ان الانسان (يوجد) اولا ثم يكون بالتالي هذا الشخص او ذاك. وبكلمة واحدة ان الانسان يجب ان يخلق ماهيته الخاصة بنفسه. فهو عندما يرمي بنفسه في العالم ويتألم ويناضل فيه انما يعرف نفسه شيئا فشيئا. . ومجال هذا الانسان قبل ان يموت. . ولا ماهي الانسانية قبل ان تزول من على وجه الارض.

والان وبعد ما تقدم: هل الوجودية فاشية ام محافظة ام شيوعية او ديمقراطية؟ من الواضح ان هذا السؤال سخيف لا معنى له. . اذ الوجودية وهي على هذه الدرجة من العمومية ليست سوى طريقة معينة لمواجهة المسائل الانسانية. . رافضة اعطاء الانسان اية طبيعة ثابتة على الدوام. لقد كانت الوجودية سابقا تقترن بالمعتقد الديني كما نجدها لدى كير كجورد. . والوجودية الفرنسية التي يمثلها سارتر تميل اليوم الى الاخذ بالالحاد. . غير ان هذا ليس ضروريا بصورة مطلقة. وسارتر يقول ان كل ما يمكن ذكره في هذا الصدد هو انها لا تبتعد كثيرا عن التصور الذي تصوره مارس للانسان. الا يرتضي ماركس في الواقع هذا الشعار الذي اتخذه سارتر شعارا للانسان: ان يعمل وبعمله يصنع نفسه ولا يكون شيئا سوى ما صنعه من نفسه؟

والان نقول: اذا كانت الوجودية تعرف الانسان بواسطة فعله فمن البديهي انها ليست فلسفة للركونية؛ اذ الانسان في الواقع لا يمكن الا ان يفعل، فافكاره تصاميم والتزامات، وعواطفه مشروعات. انه لا شيء سوى حياته وما حياته الا وحدة سلوكه. اما (القلق) الذي تعلن عنه وجودية سارتر والذي قال عنه النقاد بانه يأكل الانسان ويشله عن العمل، فانه ـ بالرغم من سمو هذه الكلمة ـ يدل على حقيقة يومية في غاية البساطة. يقول سارتر اننا (لا نكون) بل (نصنع انفسنا) ونحن عندما نصنع انفسنا نتحمل مسؤولية الجنس البشري بأجمعه. واننا عند اقدامنا على الفعل لا نجد ازاءنا قيما او اخلاقا منحت لنا بصورة قبلية. . بل علينا في كل حالة ان نقرر ونبت في امرنا بصورة منفردة دون ان تكون لدينا نقطة ارتكاز او هاد يهدينا سواء السبيل، مع كوننا نفعل من (اجل الجميع). فكيف يمكن بعد هذا الا نشعر بالقلق عندما يتحتم علينا الفعل؟ ان كل فعل من افعالنا يمس معنى العالم

<<  <  ج:
ص:  >  >>