ومكان الانسان في الكون، ونحن نؤسس بواسطة كل فعل من افعالنا ـ حتى لو لم نرد ذلك ـ سلما من القيم الشاملة. فكيف يمكن الا يأخذنا الخوف ازاء هذه المسؤولية الكلية؟
لقد قال بونج في عبارة بديعة للغاية ان (الانسان مستقبل الانسان) وسارتر معجب بهذا القول. وهو يقول بان هذا المستقبل لم يصنع بعد ولم يبت في امره. اننا نحن الذين سنصنعه، وان كل واحدة من حركاتنا تساهم في رسمه، ويجب ان يكون المرء على شىء كبير من النفاق لكي لا يشعر بالقلق ازاء هذه الرسالة الهائلة الملقاة على عاتق كل واحد منا. ولا شك ان النقاد قد خلطوا عمدا بين القلق والنورستانيا لكي يدحضوا سارتر بصورة اكثر يقينا، فجعلوا من هذا الجزع الرجولي الذي يتحدث عنه الوجودي خوفا باثولوجيا موهوما. ولذلك يقول سارتر ان القلق لا يمكن ان يكون عائقا للفعل لان نفسه شرط للفعل. وهو جزء لا يتجزأ من معنى هذه المسؤولية الساحقة: مسؤولية الكل امام الكل التي تسبب عذاب الانسان وعظمته في نفس الوقت.
انا اليأس الذي يقولون عنه بأنه يسود الحياة في نظر الانسان ويصرفه عن العمل فيجب ان نفهم معناه ونتعمق مدلوله. يقول سارتر: من الجلى ان الانسان يخطىء اذ (يأمل) في امر من الامور، وهذا القول لا يعنى سوى ان الامل اسوأ قيد للفعل. هل كان يجب على الفرنسيين ان يأملوا في انتهاء الحرب من تلقاء نفسها؟ او ان يمد النازيون لهم ايديهم؟ او هل لنا ان نأمل في ان يتخلى اصحاب الامتيازات في المجتمع الرأسمالى عن امتيازاتهم عن طيب خاطر؟ يقول سارتر اننا لو كنا نأمل في كل هذا فلن يبقى علينا الا ان ننتظر مكتوفي الايدي. ان الانسان لا يمكنه ان يريد الا اذا ادرك اولا بانه لا يستطيع ان يعتمد الا على نفسه، وبانه وحيد متروك على هذه الارض وسط مسؤولياته الانهائية من دون سند او مساعدة. لا غاية له سوى الغاية التي سيعطيها لنفسه. ولا مصير له سوى المصير الذي سيبتدعه لنفسه. هذا اليقين وهذه المعرفة الغريزية التي لدى الانسان عن موقفه في العالم هو ما يدعوه سارتر باليأس. فهو ليس ضلالا خياليا جميلا، بل وعلى جاف واضح بالحالة الانسانية. وكما ان القلق لا يتميز عن معنى المسؤوليات فان اليأس يتحد مع الارادة في وحدة لا انفصام لها. ومع هذا النوع من اليأس يبدأ التفاؤل الحقيقي: تفاؤل الانسان الذي لا ينتظر شيئاً ويعلم بانه لا يملك أي حق ولم يترتب عليه أي واجب. تفاؤل الانسان الذي