في شهر مارس الماضي اشتدت العلة بالأستاذ عبد الرحيم محمود ولازم الفراش رغم انفه وهو الذي كان لا يطيق الجلوس ساعة كاملة في مكان واحد ولا يدركه المرض إلا وهو سائر في الطريق أو جالس بين أصدقائه يلعب الشطرنج أو غارق بين الأسفار القديمة يحقق لفضا لغويا ويغادره المرض أو يلازمه من غير أن يعيره اهتماما أو يمنحه أنة أو شكور إلى أن تكاثرت عليه العلل وقهرته فاستسلم لها ولكن بقدر فكان إذا غربت الشمس يأخذه الحنين إلى أصدقائه فيخرج متوكئا على كتفي إلى أن نجد سيارة حتى لا يحرم نفسه لذة الجلوس بينهم والنظر إليهم حين يلعبون الشطرنج وساعتئذ ينسى أدواءه وكأنه طلقها ثلاثا ولكنه إذا رجع إلى منزله بعد منتصف الليل وجدها تحت فراشه فيستسلم لها مرة أخرى.
وقد إضطرته قسوة المرض إلى الإكتفاء من قراءة الصحف بعناوينها اللهم إلا إذا جاءته أوراق من مطبعة المعارف من أحد كتب معالي الدكتور طه حسين باشا فإن جسمه ينشط وينسى المرض حتى يأتي عليها.
وكلن حريصا على إخفاء مرضه عن صديقه الدكتور طه لئلا تنقطع عنه هذه الأوراق أو يكون سببا في إيلامه وإزعاجه، ولكن حين رأينا اشتداد العلة عليه اتصلنا في صباح يوم ٨ من ابريل بمنزل معاليه على غير علم منه وأخبرناه بحالته فكان أول عمل له في هذا اليوم الاتصال بالمستشفيات والأطباء، وفي الساعة الثالثة مساء فوجئنا بهيئة مكتب معالي الوزير تقتحم منزل الأستاذ عبد الرحيم وفي مقدمتهم الأستاذ فريد شحاتة وأركبوه قهرا في سيارة خاصة ذهبت به إلى المستشفى ومكثوا معه إلى ساعة متأخرة من الليل. وفي الليلة التالية حضر معالي الدكتور لزيارته في المستشفى فعانقه وقبله، وقد اغرورقت عيناهما بالدموع وأبى معاليه إلا الجلوس على كرسي خشبي بجوار فراشه، وبعد ان هدأت نفسه أراد أن