للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مذهبية؛ وهو يعني أنها حرب بين فكرتين: فكرة الشيوعية وفكرة الرأسمالية. وهذا يقتضي أن تقوم الكتلة الثالثة حين تقوم على أساس فكرة مستقلة عن الشيوعية وعن الرأسمالية جميعا، كي تستطيع أن تمسك بيدها الميزان، وأن يكون لها هدف مستقل عن هؤلاء وهؤلاء، وفكرة ثالثة تدعو إليها الفريقين، ولا تضيع هي في غمار إحدى الكتلتين.

ودعاة الشيوعية كدعاة الرأسمالية، يحاولون أن يقنعونا بشدة: أن ليس في هذا الكون إلا فكرتان ونظامان، وأنه لا يمكن تصور فكرة ثالثة ونظام ثالث. فألا تكن شيوعيا فأنت رأسمالي، وإلا تكن رأسماليا فأنت شيوعي، وهو تفكير متحجر مضحك، تفكير الذين لا يرون بعيونهم ولا يسمعون بآذانهم إنما يتلقون ما يقوله لهم هؤلاء أو هؤلاء تلقى الحاكي أو الببغاء، ونحن لسنا بملزمين أن نستحيل جميعا آلات ولا ببغاوات!

إننا نعلم - الآن على الأقل بعد ما صدرت عدة مؤلفات حديثة تكشف لنا عن النظام الاجتماعي الإسلامي، وتشرح لنا فكرة الإسلام الأصيلة عن الحياة - أن هذا النظام ليس هو النظام الرأسمالي كما تعرفه الكتلة الغربية، وليس هو النظام الشيوعي كما تعرفه الكتلة الشرقية؛ إنما هو نظام اجتماعي مستقل، يقوم على أساس فكرة عن الحياة مستقلة. وقد تتشابه بعض جزئياته أحيانا مع النظام الرأسمالي، كما تتشابه بعض جزئياته أحيانا مع النظام الشيوعي، ولكنه ليس أحدهما بكل تأكيد فهو نظام آخر ذو مقومات أخرى. ميزته أنه يحقق مزايا النظامين ويتقي عيوبهما في الوقت ذاته.

ولكنني أكتفي بالإشارة إلى مسألة واحدة تثبت كيف يجمع النظام الإسلامي بين مزايا الرأسمالية والشيوعية، وكيف يتقي عيوبهما جميعا. . . تلك هي مسألة الملكية الفردية.

إن الرأسمالية لتطلق حق الملكية الفردية، وتدع رؤوس الأموال تتضخم، فلا تتدخل حين تتدخل إلا بفرض الضرائب على الأرباح، بنسب عالية كما اضطرت إلى ذلك أخيرا. . وميزة هذا النظام أنه لا يقاوم الحوافر البشرية الطبيعية للتملك، ولا يضعف الرغبة في العمل إلى أقصى حد وبذل الطاقة إلى أقصى حد، ما دام الفرد يحس أن جهده له وعاقبه إليه. وعيبه أنه يدع الرغبة الجامحة في الكسب تطغى على المصالح الجماعية وتدوس على حقوق المنتجين الحقيقيين وهم العمال، كما تدفع بالدولة إلى الحرب لضمان الأسواق للتصريف، وضمان الخامات بسعر رخيص. . . إلى آخر عيوب الرأسمالية التي تشنع بها

<<  <  ج:
ص:  >  >>