والآن أقدم شاعراُ (مغموراُ) نشر ديواناُ قبل زمن قصير يحوي ستا وثلاثين قصيدة، وقدم نسخاُ منه إلى دور النقاد ودور الصحف والمجلات في مصر، فلم يلتفت إليه أحد ولم يظهر له اسم. وليس له ذنب سوى إنه من البلدان المتأخرة، من العراق. . . فأما أبو الوفا الذي يقدمه الأستاذ سيد قطب (على الصفحات الأولى من الرسالة) فهو من أرض الكنانة مصر بلد (المتقدمين). .
يقول الأستاذ (شاذل طاقة) في مفتتح ديوانه (المساء الأخير) هذه الكلمات (لله هؤلاء الشعراء. . شياطين عبقر. . فإنهم يألمون مرة ثم يحيون الآم مرة أخرى. . فكأنهم يألمون مرتين) وهذه أصدق وأدق كلمة تقدم ديواناُ من الشعر ثم هذه بضع من قصائده. . وليتفضل فيقارنها من يشاء بالنماذج التي أوردها الناقد الكبير سيد قطب من شعر أبى الوفا في مقاله. . وليقل بعدئذ من يشاء بأنني أتهم سيد قطب وسواه من النقاد في مصر بالمحاذاة كذباُ وافتراء. . .
هذه إحدى قصائد الأستاذ الشاعر (شاذل طاقة) وعنوانها (ظمأ). . وهي تصوير رائع للظمأ السرمدي الذي يحسه الإنسان في أعماقه إلى الجمال. .
أذوب قلبي أم أصون لساني ... وأعذل نفسي أم أذم زماني
لك الله يا دنيا فلا حسنك انتهى ... ولا القلب من أشواقه بأمان
ولا أنا عن بث اللواعج منته ... ولا لك في وقف العذاب يدان
أناديك مبحوح النداء وأنثنني ... أنوء بما قاسيته وأعاني
طبعت على عشق الجمال فلا أرى ... مع الحسن إلا دائم الهيماني
أحوم كما حام الفراش على اللظى ... وأقضي ولا أنفك عن حوماني
أموت وفي نفسي من الحب غلة ... أبت ريها الأيام في ريعانه
وأمضي إلى ربي أبث شكايتي ... وطى الحشا ناراُ تذيب جناني
أعتقد أني في غنى عن تحليل هذه الأبيات العالية الرائعة فهي تصور وضع الإنسان بين الحسان في هذه الحياة ولوعته الدائمة وتعطشه الأبدي، وعدم استقراره. . ومن ثم حيرته وشكاته. . .
وأمضي إلى ربي أبث شكايتي ... وطي الحشا ناراُ تذيب جناني