للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السويد والسويس، أو قصة الإسكندرية والإسكندرية، أو قصة النيل والدردنيل!!

النقل المباشر لصور الحياة؟ من يصدق أنني كنت أرمي لهذا المعنى وأهدف نحو هذا التفسير؟! عيب هذا النوع من الأدباء أنه يقف عند المعنى المادي للكلمة ولا يكاد يتعداه، ويدور حول الهيكل العظمي للفظ ولا يكاد يتخطاه، مثله في ذلك مثل ذلك النوع من القادة والحاكمين، أولئك الذين يتوهمون أن كل حديث عن العدالة الاجتماعية ضرب من اعتناق الشيوعية!! إنني عندما أقول عن (الواقعية الأولى) إنها نقل مباشر لصور الحياة وطبائع الأحياء، فإنما أعني النقل الأمين، النقل الصادق، النقل الواعي، النقل الذي لا يجوز فيه الوهم على الحقيقة ولا يطغى الخيال على الواقع! هذا هو النقل الذي أعنيه، النقل الذي يجعل الفن يتصل بالحيات اتصالا مباشراً، وثيقا دقيقا، ليعكس على مشاعرنا كل مافيها من نبض وخفوق، النقل الذي قلت عنه يوما على صفحات الرسالة وأنا أتحدث عن بعض الأعمال الفنية للأستاذ توفيق الحكيم: (إنك عندما تقرأ أعمال الحكيم الأولى التي سجلها ليصور بها تلك البيئات التي عاش فيها بالجسم والفكر والروح والحواس تلمس أن الحياة كانت تتنفس تنفسا عميقا في فنه، وأن عدسة القصاص قد بلغت من دقة اللقطات مالا يتهيأ إلا لكل فنان مفتوح العينين والقلب والذهن، اقرأ مثلا (عودة الروح) و (يوميات نائب في الأرياف) تحس أن الحياة فيهما تكاد تنتفض بين يديك وتتحرك أمام ناظريك؛ تنتفض بمواكب لا تحصى من الصور النفسية والنماذج البشرية! لقد كانت العدسة البارعة تنتقل من الشوارع إلى الأزقة، من المدينة إلى القرية، من القصر إلى الكوخ: ترقب، وتتأمل وتسجل. . وإذا حرارة التعبير قد ارتفعت لتلفح إحساسك على الورق، وإذا لمحة الخاطر قد استحالت فكرة في ثنايا العرض وإذا ركب الأحياء قد انتقل في حركة نابضة إلى السطور والكلمات!

لقد كان توفيق الحكيم يعب الحيات عبا أن صح هذا التعبير، ويوم أن كان يطل على ميدان الحياة الفسيح المترامي أمام عينيه، كان يطل من نافذة مفتوحة، هي نافذة الحواس المتحفزة لالتقاط كل ما تقع عليه من صور في دقة ووعي وانتباه، وهذه هي الفترات (المستيقظة) في فن توفيق الحكيم. فترات مستيقظة نلقت عن كتاب الحياة سطورا فيها عمق وروح، فإذا (عودة الروح) و (يومياتنائب في الأرياف) نسختان أمينتان تغمض عينيك بعد الفراغ منهما

<<  <  ج:
ص:  >  >>