للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يرفها العقل، فالحياة التي ترفرف عليها عدالة الله فيها الخير وفيها الشر، وفيها الفضيلة وفيها الرذيلة، وفيها السعادة وفيها الشقاء، وفيها ما شئت من ألوان المفارقات وضروب المتناقضات، فإذا صورنا الحياة تصويراً صادقاً فمن الطبيعي أن نقبل المأساة المستمدة من واقعها كما نقبل الملهاة، على شرط أن تكون عرضنا لهذه وتلك مسايراً لمنطق الحوادث المألوفة ومطابقاً لطبيعة الأمور كما يألفها الأحياء!

خذ موضوع القصة من هذا الوجود المتحرك أمام ناظريك ثم اخلع عليها بعد ذلك من ألوان الفن ما يبعد عنها صفة الجمود الذي لا يتفق مع الحركة، ونزعة الخيال الذي لا يلتقي مع الواقع ولا مبرر بعد ذلك لأن تفرض على موضوع القصة أن يسير في هذا الطريق دون ذاك! إن الحياة هي التي ترسم خط السير، وتقرر غرض الاتجاه، وتحدد طبيعة الموضوع. . أعني أننا يجب أن نقتفي أثر الحياة في كل خطوة من الخطوات. . وكل نقلة من النقلات. . ثم نسجل ما شاهدناه كما يحدث في الواقع المشهود أو كما يحدث في الواقع الذي يمكن أن يكون. فإذا كان مجرى الحوادث في القصة لا يضيق بشبح المأساة فلا ضير من توجيه دفتها نحو هذا الذي نبتغيه، فإذا ضاق بها فلا حاجة بنا إلى تحمل الحياة فوق ما يمكن أن تطيق)!

أرأيت مرة أخرى إلى حقيقة النقل المباشر الذي أعنيه؟ لقد عمدت إلى نقل هذا النموذج الآخر بالذات لأرد به على فقرة أوردها الأدب العراقي في مقالة ليضفي على من علمه الغزير! قال حضرته وهو يحاول أن يفهمني حقيقة الواقعية الفنية بكلمات سبقته بمثلها منذ عامين: (والواقعية الفنية لا تبعدنا عن حياتنا - كما يظن - بل هي الواقع المحس قد داعبته أنامل الفنان، وقد يرسم الفنان - الشاعر أو القصاص - صوراً ماثلة في الواقع، واقعية حقاً، وقد لا تكون كذلك. . كما يلزمنا أن تكون تلك الصورة المنقولة سامية حسنة جميلة، بل كل ما يطلبه الفن نقل الصورة نقلا فنياً، وكل ما يطلبه الواقع نقلها بأمانة!)

أليست كلماته التي وضعت تحتها الخطوط هي من حيث المعنى نفس كلماتي التي وضعت تحتها مثلتلك الخطوط؟! يا عجباً. . لقد كتبت تلك الكلمات منذ عامين ثم جاء الأديب العراقي فكتب مثلها منذ أسبوعين، ومع ذلك يتهمني بأنني أنظر إلى الواقعية الفنية على أنها النقل الفوتغرافي. . ويحاول أن يلقي على بعض الدروس!! هذا عن (الواقعية الأولى)

<<  <  ج:
ص:  >  >>