وفي سحر ليلة الجمعة بعد أن كررنا طواف الوداع برزنا إلى الشيخ محمود، وما زلنا بعده نرحل منمحطة إلى محطة إلى أن أتينا على قبور الشهداء، وبادرنا الزيارة.
وفي الحديث (من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتب له حجتان مبرورتان) رواه الديلمي عن ابن عباس. وغب التحية أديت ركعتي التحية، وعجلت الرجعة إلى المواجهة وقرأت قوله (وعجلت إليك ربي لترضى).
(وبعد ما زرت سيد الشهداء، على بعد مسافة، دخلت قبة أخيه العباس، وما برحت أتردد من الحرم إلى الدار المعهودة، لاغتنام بركات إمدادات لا يشار إليها مقصودة، وجاءني فيها عالم تقدير، جناب الشيخ محمد الدقاق وهو مغربي واخبر أن السيد الأعظم امسكه في جواره وأنعم عليه بدنوه من نزله وقرب داره، وذكر اشتياق النفس لمهجة أكباده من أولاده، وطلب فاتحة بوصولهم إليه في هذه البلاد، دون بلاده، فأجبناه رغبة في دعوة منه صالحة، وأخبرت أنه بعد ذلك نال مطلوبة وقضى الحق مصالحه، ووفد بالمذكور على رجل يدعى عبد السلام، فشكرت صنيعه ورجوت له العفو التام، وذكر لي الجامع بهذا الجامع رجلا شريفا مهل لي من باعلوي يدعى الشريف علي، فقلت له سر بنا إليه، نغتم دعاه وأشياء مما لديه، وكانت هذه الجمعية بطراز العصابة الألمعية، مباركة المبدأ والآخر لاشتمالها على ذكر سادات حوت في المفاخر، وذكر السيد المشار إليه، أغدق الله نعمه عليه، أن بعض أشياخه ممن يشرب من نقاخه، ضمن بيتين لبعض السادة، في قصيدة وقيد إفادة، وهما:
إذا لم نطلب في طيبة عند طيب ... به طاب طيب الحان أين نطيب
إذا ما استجاب الله منا دعاءنا ... لدى أحمد المختار أين يجيب
ولقد أكرمنا غاية الإكرام، وتلطف بنا في الصحبة، وبعد ما عدت للمحل المحلي، تأملت فيما علي من فوائده أملي.
(ولما عزمنا على الوداع القطيع، وقد أثر في القلب القطيع، وألمع فيه سيوفا وأسنة، حتى امتلأت بها الأفئدة والأجنة، وعدنا بعد العشاءين من المحل الخارجي عن المدينة، لأجل الزيارة والوداع ثانية بنفوس مدينة، وبعد الصلاة في حضرة الجمع والوجود، ووداع ينبوع الهمع واللمع والجود، أتينا نسيئة النفس ونقد العين، على فراق روح الروح، وعين العين