وفي صباح ذلك اليوم الخطير سرنا إلى (الجرف) بطرف مطير، واللب منا أسير والقلب ذاك كسير، وما زلنا نطوي بسط البيد أي طي، ونزوي هموم الفراق عند الأحباب أي زي، إلى أن وصلنا مناما أسنى هدية صبيحة الرأي الصائب المصان، جناب سليمان باشا أحد أعيان وزراء آل عثمان، أثابه الديان.
اجتمعنا يوم الثلاثاء العاشر من المحرم، بالجردة، فكان يوم الاجتماع لدينا معظم، وأقمنا فيها كالعادة، وسرنا طالبين الرحاب للاستفادة، وكانت المكاتبات الواصلة حركت ساكن الأشجان، وتقدمنا نسير مع الشعارة، لما اتبعنا مع الحج أهل الذعارة، غلمانه المطلقين اللسان، بالسب لسفاهة برأي وعدم إحسان، فحصلنا وإن خاطرنا راحة، من منازعتهم لم تدخل في راحة، وصرنا نخب العلا ونحب الخلا لما حلا، إلى أن وصلنا (العلا) وأقمنا يومين. كانا في البسط مثل تؤمين، وأتينا (المدائن) وأقربنا منها أفازة مثلثة، إذ أمامنا الدار الحمرا، النازحة المياه، فكانت للهلكات محدثة، وكان يوم الوصول إلى (المعظم) مهول، نهبت فيه المياه المعدة، وتلفت فيه أنفس لها عدة. ولم نقم في هذه المحطة المضرة بالحجاج، إلا مقدار ما له فيها نحتاج، وأسرعنا إلى (المنزل الأخضر) فوصلناه قبل الفجر بوجه أنضر، وأقربنا منه أفازة المغائر، ولم يروي ركب الحج السائر، إلا لدى قلعة (جفيمان) التي عمرها الوزير المعان، جناب عيد الله باشا أمير حجنا الشامي قبل عامنا، وسرنا إلى منزلة (معان) والحق بجوده أعان، وأقمنا في (الحسا) يوما لعمارة جسر مهدوم، ويوم دخولنا على (الزرقا) والفؤاد مكلوم، ونحن في المحفة كؤوس المسرة نسقى وفي بحرها نعوم، ورد على اللسان مطلع مقيد، فسمعه الأخ الحاج حسن (بن مقلد الجيوسي) فانجلت غيوم، ثم تبعه آخر وثان وثالث، فطلب إثباتها لئلا تنسي ومطلع القصيدة:
(وجاء كثير ملاقيه، بالفواكه المنوعة الشامية، فحركت ساكن أشواق، وجاءت أهل (جورة حوران) بالماء كل الطيبة التي لكم جوع مضى في المفازات مطيبة، فأكلنا بنهم فرحا بوصال قرب ديار، وشربنا من ماءها العذب وجزنا سراعاً إلى (المفرق) وحزنا طربا من القدم إلى المفرق، وجاءنا بعض إخوان سوابق عهد ومحبة، فسرنا القدوم لننشق أخبار