ما تضمره لنا روسيا الشيوعية، لقد وقف منا موقف العداء في مجلس الأمن، كما أن أسلحة الكتلة الشيوعية لليهود هي التي وقفت في وجوهنا بفلسطين، ذلك أن روسيا كرهت أن يكون للأمة العربية كيان، وأشفقت أن تستحيل الكتلة العربية قوة حقيقية تستعصي على السيادة الشيوعية في المستقبل، فآثرت أن تتبخر كل دعاواها في حقوق الشعوب الطبيعية، وأن تخسر أساساً من أسس دعايتها ضد الاستعمار، وأن تسمح بقيام دولة إسرائيل على أساس الدين وحده - وهو أكبر ما تنكره الشيوعية - آثرت ذلك كله على تقوية الكتلة العربية، وضربتها تلك الضربة القاسية المنكرة، لتقوم إسرائيل في جنبها كالشوكة؛ تمزق وحدتها الجغرافية، وتفصل حدودها المتصلة، وتحرمها التماسك والقوة والشخصية. إن روسيا عدوة وحدتنا وقوتنا ووجودنا الذاتي، وكل ما تلوكه ألسنة دعايتها هو مجرد أسلحة في صراعها مع الكتلة الغربية، كدعاية هذه الكتلة ضدها سواء بسواء.
إنه لا بأس في نظر الشيوعية الروسية أن تأبى على الكتلة الغربية في استخدام مواردنا في الحرب ضدها. أما أن يكون لنا كيان ذاتي، وقوة شخصية، ووجود قومي فلا! وإن دعاتها في بلادنا ليفزعون كما لو كانت قد لدغتهم أفعى، إذا سمعوا دعوة للتكتل الذي يوجد لنا شخصية قومية، إنهم لا يريدوننا إلا ذيولاً ذليلة تنعق بالشيوعية، وتؤدي لها التسهيلات الممكنة في أرضنا حين يستمر القتال! وهو وضع تأباه علينا كرامتنا، وتأباه علينا مصالحنا، بل يأباه مجرد الشعور بأننا أناس، لا سوائم ولا أشياء!
والشيوعية قد يكون لها اليوم لألاء في عيون الكادحين المحرومين، الذين تصاغ دماؤهم يواقيت للنحور والصدور، ويقطر عرقهم كؤوساً للسكارى والمخمورين. . ولكن تصور البشرية كلها نسخاً مصبوبة في قالب الشيوعية الواحد، لا يسمح لفكر واحد فيها أن يشذ، ولا لقلب واحد فيها أن ينبض بخالجة لا يرضاها ستالين. . هذا التصور وحده تقشعر منه الأبدان، ويشفق من تحققه كل إحساس آدمي سليم!
على أن طبيعة الحياة تأبى الانتصار الكامل الحاسم لقوة واحدة من هاتين القوتين الماديتين اللتين لا يفرق بين طبيعتهما إلا اختلاف المصالح والمطامع. وإن الهزيمة لتنبت في زحمة النصر، كما أن النصر ينبت في ركام الهزيمة، وها نحن أولاء نرى أن الخلفاء الذين بذلوا ما بذلوا ليقهروا ألمانيا واليابان؛ ينحنون اليوم على الحطام والأشلاء ليستنقذوا منها المارد