وأرادوا أن يخرجوه من مدرسة الباجه جي بحجة السب! ولما لم ينالوا ما أرادوا استعانوا بمفتي الحنفية ومفتي الشافعية لغاياتهم هذه، كما استعانوا بمحمد الكركولي أحد المتنفذين ببغداد، وذهبوا هم وأنصارهم إلى الوالي داود فتكلم نيابة عن الجمع الحاشد الكركوكي المشهور بابن النائب الذي يضمر للألوسي الحسد والعداء، فحاك وأصحابه دسيسة جديدة وهي أن أبا الثناء قد سب الإمام أبن حجر أثناء وعظه في جامع القمرية في الكرخ، فلم تنطل الفرية على الوالي الداهية، فأجابهم بما أسكنهم وأخزاهم! وهنا أنقل للقارئ جواب الوالي لابن النائب الكركوكي، ولكن على لسان المدعي عليه، أو المتهم في لغة القانون وهو هنا الألوسي محمود إذ نقل الجواب بإنشائه البليغ الرائع فقال (إن ابن الألوسي شافعي المذهب، فيبعد من طريق العقل أن يسب ذلك العلامة وهو بين أئمة مذهبه المشار إليه بأكف الفضل، وأعجب من ذلك وأعظم، تأخير شكوى هذا الذنب الواقع في رمضان إلى المحرم، فما أظن ذلك إلا افتراء، أصر على إنشائه قهرمان الحسد، وكم جمع الحسد جيوش البغي على المحسود وحشد، فبالله تعالى عليكم إلا ما تركتم هذا الرجل وحاله، وأرى الأحرى بكم أن تصالحوه وخاله. . . فإني أظن أن يأتي على الرجل زمان، يشار إليه بين علماء الإسلام بالبنان. وبعد أن أطفأت هذه الفتنة التي واجهها الألوسي بصبر وثبات، والتي انتهت بحرمانه من التدريس في مدرسة الباجه جي، كان أنصار الألوسي يعملون على إيجاد وظيفة تليق بمكانة أبي الثناء وفضله. وأخيراً وجدوا ضالتهم بمساعي الزعيم الشعبي (عبد الغني جميل زاده) رئيس الحزب الذي يضم أحرار البلد أمثال السيد الألوسي، فتم على يد الزعيم عبد الغني إزالة ما وقع سابقاً ثم عين بمساعدة أنصاره مدرساً وواعظاً وخطيباً في جامع أمين الباجه جي شقيق نعمان رئيس صنف التجار، الواقع في محلة رأس القرية. . . وبقي يدرس ويربي الجيل الجديد تربية العالم الخبير القدير، ولاقت دروسه قبولاً واستحساناً من تلامذته ومريديه، وكانت بغداد في أواخر عهد داود تضم نهضة أدبية يرعاها القصر ويحميها السلطان. ولم يكن الألوسي مع قيامه التام بشؤون التدريس والخطابة والوعظ والإرشاد بالرجل القانع القعددة شأن أكثر المعممين ورجال الدين في عهده بل كان على العكس رجلاً طلاعة يستمع لتيار الرأي العام، ويستجيب لداعي القضايا العامة، وكان أكثرية البغاددة يناصرون داود باشا في الانفصال عن قاعدة الخلافة