الخ. . .
وعندما أطلق سراح شباب الحركة الوطنية في عهد وزارة سعد زغلول، وأحتفل شباب مصر بنجاة إخوانهم وإخراجهم من السجون، شارك شوقي في تكريمهم بقصيدة عامرة افتتحها بأبيات غزلية رقيقة هي:
بأبي وروحي الناعمات الغيدا ... الباسمات عن اليتيم نضيدا
الرائيات بكل أحور فاتر ... يذر الخلي عن القلوب عميدا
الراويات من السلاف محاجرا ... الناهلات سوالفاً وخدودا
أقبلن في ذهب الأصيل ووشيه ... ملء الغلائل لؤلؤاً وفريدا
يحدجن بالحدق الحواسد دمية ... كظباء وجرة مقلتين وجيدا
حوت الجمال فلو ذهبت تزيدا ... في الوهم حسناً ما استطعت فريدا
لو سر بالولدان طيف جمالها ... في الخلد خروا ركعاً وسجودا
وما أشبه هذا البيت الأخير بقول كثير عزة حيث يقول:
رهبان مكة والذين عهدتهم ... يبكون من خوف العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت حديثها ... خروا لعزة راكعين سجودا
في هذه القصائد يظهر تقليد شوقي لمن سبقه، فهو يدفع بالمرأة دفعاً في قصائده وفي مواقف يحسن أن تكون بعيدة عنها كل البعد، إذ أن الغزل والتشبيب الذي يبدأ به قصائده لا يكون إلا في وقت تكون النفس هادئة تنعم بالطمأنينة والأنس، ولكنك لا تملك نفسك من الإعجاب ببراعة الشاعر وافتتانه في الإتيان بروائع المعاني وفخم الألفاظ.
أما غزله الخالص قاله متغزلاً فهو قصير قليل تظهر فيه الصناعة والتأثر في لفظه ومعناه بمن تقدمه من الشعراء. فإذا تصفحت باب النسيب في الجزء الثاني من الشوقيات فإنك لا تكاد تعثر على شعر تستطيع أن تقول عنه بوصال وقرب. مما يجعلنا نعتقد أن الشاعر لم يصب بهذا الداء - داء الحب -، لذلك نجد هذا النوع من شعره أكثر صناعة وتكلفاً، ولولا قوة الشاعر وبراعته لما وجدت في نفسك دافعاً لقراءته. فاسمعه يقول وهو تقريباً أجود ما قاله في هذا الباب:
خدعوها بقولهم حسناء ... والغواني يغرهن الثناء