فيصيح بهم حماد: يا قوم، إنكم تهتمون بالمسمار الصغير وتغفلون عن المسمار الكبير! ويشير إلى الحاكم. ويقول جحا للحاكم: إنك تستكثر سبعين يوماً على نظر هذه القضية، وهناك قضية أهم منها لا تزال معلقة منذ سبعين عاماً. . ويغضب الحاكم ويأمر بالقبض على جحا وإيداعه السجن. ويأتي بعد ذلك منظر جحا في السجن وقدوم الحاكم عليه يفاوضه عساه أن يرجع إلى (صوابه) فيطلق سراحه، وهنا يدور بينهما حوار رائع يفند فيه جحا كل حجج المستعمر على طريقته الساخرة ومنطقة الجحوي المفحم.
ويثور الشعب ثورته الجائحة، ويندحر الدخلاء. ويرتفع الستار في المنظر الأخير عن منزل جحا حيث نرى ابنته ميمونة تزين استعداداً لعقد زواجها بعبد القوي كاتب الحاكم الذي كان يعمل في الخفاء مع الحركة الشعبية. وكان جحا قد وعد حماد بأن يزوجه ميمونة على رغم زوجته أم الغصن التي كانت تعارض ذلك وترغب في زواج ابنتها من عبد القوي. وتحدث المفاجأة بأن يعقد القران ويضع جحا يده في يد عبد القوي قائلاً: زوجت ابنتي ميمونة لموكلك حماد. .
عرض الأستاذ كثير في هذه المسرحية، القضية المصرية القائمة، عرضاً فنياً موحياً، يبعث المشاعر الوطنية ويحفز الهمم ويرسم الطريق، وقد سلط السخرية الجحوية النفاذة إلى غطرسة المستعمر وتبجحه فلم يدع له حجة إلا دحضها، وتمثيل ذلك في الحوار القوي الرائع الذي دار بين جحا وبين الحاكم الدخيل في السجن. وقد ساق كل ذلك مساقاً فنياً جميلاً ممتعاً خالياً من ثقل الوعظ وشوائب التهريج. وتضمنت المسرحية إشارات إلى الناحية الاجتماعية من حيث ترف الأغنياء وحرمان الفقراء، ولكن يلوح أن المؤلف كان يشعر بالقيود في هذه الناحية فلجأ إلى التوريات والتلميحات ولم يأخذ هنا حريته كاملة كما أخذها في الناحية السياسية.
وقد صاغ المؤلف - في براعة ولباقة - نوادر جحا في الحوار واستخدمها استخداماً حسناً في التسديد إلى الأهداف، وفي إشاعة الفكاهة، واتخذ من شخصيتي (أم الغصن) و (الغصن). مداراً للدعابة والمرح، واستعان بأم الغصن ومشاكساتها لزوجها جحا على إبراز الفلسفة الجحوية وأثرها في مجرى الحوادث.
وهذه ثاني مسرحية - بعد سر الحاكم - نراها على المسرح للأستاذ على أحمد باكثير، ولا