للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحب تذكر سواده الفاحم، فأنتزع منه الخواطر المشجية. وهكذا يصبح السواد مركب النقص لديه، يشعر به في ألم ومرارة فيسلمه أزمة القوافي والأوزان

أقرأ إن شئت غزله المطبوع، تجده يدور في أكثر قصائده على ما منى به من حلوكة دلمسة، وهو في كل مقطوعة يبتكر ويجدد، فهو تارة يقع في حوار مع معشوقته البيضاء، فيسألها أن تسدل الليل البهيم على بدر الدجى الساطع، فترفض في إباء واستعلاء، وتتعجب من عبد أسود يطمع في غرام غانية عزت على الأحرار البيض، فيجيبها بما يثبت حريته واستقلاله، ويصور ذلك إذ يقول:

عذبي القلب كما شئت ولا ... تكثري اللوم فمثلي لا يلام

وأسدلي الليل على بدر الدجى ... فحديث الشوق يحلو في الظلام

همت بالوصل فقالت عجبا ... أيها الشاعر ما هذا الهيام

لم ينل منا الرضا حر وما ... رام منا سيد هذا المرام

أنت عبد والهوى أخبرني ... أن وصل العبد في الحب حرام

قلت يا هذي أنا عبد الهوى ... والهوى يحكم ما بين الأنام

وإذا ما كنت عبدا أسوداً ... فاعلمي أني فتى حر الكلام

وهو تارة يعلن أن لونه لم يكن مسوداً قبل غرامه، ولكن لهيب الشوق أحرقه في قسوة فأحاله من البياض إلى السواد، ولك أن تتصور الجسم الأبيض وقد اشتعلت فيه النار حتى تركته فحمة سوداء!! وهو تعليل طريف مستملح، ولكنه ادعاء باطل تضحك من الشاعر إذ يصيح به فيقول:

كتمت فأقصاني وبحت فلامني ... فهاج غرامي بين سري وإعلاني

وما كان لوني قبل حبك أسوداً ... ولكن لهيب الشوق أحرق جثماني

وكأن الشعر لم يتسع ببحوره الضافية لعواطفه (السوداء) فنظم كثيراً من الأزجال المرحة تحوم في مجموعها حول سواده ودمامته، وعشاق الزجل يعجبون ببراعته وإبداعه، ويشيدون بقصيدة (الزنجية الحسناء) وفيها يقول:

الناس لها مذهب في البيض ... ومذهبي حب السودان

مرجان متيم ببخيته ... وبخيته مجنونه بمرجان

<<  <  ج:
ص:  >  >>