للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مين اللي قال الحب عذاب ... يا ناس وحق الله افتوني

الليل ومحبوبتي أصحاب ... إزاي عواذلي يشوفوني

ونلاحظ ونحن نطالع غزله المرح، أنه كان مشبوب العاطفة، صادق الصبوة، فهو يغمرك بفيض من الإحساس الصادق، ونحن لا ننتظر من شاعر مثله أن يثب مع الخيال إلى أجواء عالية، فقد كان في عهد يقتصر فيه الشعراء على التعبير الفطري، والإحساس الأولى؛ دون جنوح إلى التأمل والاستغراق، بل إن إماماً قد سلم مما ارتطم فيه معاصروه من الجناس المستكره، والبطاق الثقيل، واندفع إلى التعبير عن خواطره في سلاسة ونصوع، وحسبك منه أن يسكر لسانك بحلاوة اللفظ، ويطرب سمعك بعذوبة النغم، إذ يقول

أرى لوعة بين الجوانح لا تهدا ... أهذا الذي أسماه أهل الهوى وجدا

وما ذلك الواهي الخفوق بجانبي ... أهذا هو القلب الذي بحفظ العهدا

أو يقول:

كان هذا الغرام يجري ورائي ... في شبابي فصار يجري أمامي

إنما الحب كهرباء عيون ... لعيون تسري إلى الأجسام

ما خضعنا لدهرنا وهو ليث ... وخضعنا لنظرة الآرام

أو يقول:

أقام الهوى عشرين حولاً بمهجتي ... وسار، فمن أوحى له برجوع

كأن الهوى ما أكرمته ربوعها ... وصادف إكراماً له بربوعي

ورغم هذه المقطوعات الجياشة بالحنين إلى المرأة، المتشوقة إلى ظلالها الوارفة، وروضها البهيج، قد قضى الشاعر حياته عزباً لم يتزوج، ولسنا نحار في تعليل ذلك؛ فتكاليف الزواج مرهقة لا يحتملها شاعر معدم، تتلوى أمعاؤه في أكثر أوقاته جوعا وسغبا، ويتحرق إلى مسكن ضئيل يقيه برد الشتاء وحر الهجير، وقد كان الأدب مترددا على الأندية والمقاهي دون أن يجد من يدفع به إلى باب يرتزق منه، وكانت الصحف السياسية والأدبية من القلة بمنزلة لا تهيئ لها النهوض بحملة الأقلام، وبخاصة إذا كانوا من طراز إمام ممن يتهالكون على الشراب تهالكاً يستنفد جميع ما لديهم من المال! وتلك حالة جديرة بالرثاء والإشفاق!! وقد نظر إمام إلى الزواج ككارثة مروعة تؤجج اللوعة والحيرة، وصور للقراء ما يعقبه

<<  <  ج:
ص:  >  >>