للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصواب. والعلم قبل ذلك لعله كان يحبو، ولعله طال حبوه وطال كثيرا

وصفة العلم هذه هي الغالبة أكثر الغلبة على المدنية الحاضرة، لأن الكثرة الكبرى من نتائج العلم مادية، وهي تتصل أكثر اتصال بما يرى الناس، ويسمع الناس، ويحس الناس، وبما يأكلون ويلبسون ويسكنون، وبوسائل بها ينتقلون على الأرض أو على الماء أو في السماء. وهي تتصل بضرورات الحياة ورفهها. ولو أن رجلا من مدينة غارة نشر ونفض عن نفسه التراب، وأخذ يمشي بيننا كما فعل عيسي بن هشام، لخفي عليه أول الأمر من مدينتنا كل شيء، إلا هذه الظواهر المادية الكثيرة، فهي ستبدهه، وهي ستدهشه، وهي ستدهشه. وهو سيؤخذ بها من أول يوم، أما مظاهر المدنية الأخفى فستتكشف له على الأشهر، ومنها مالا يكتشف إلا على السنين، لأنها لا تتكشف إلا بالدراسة الطويلة والممارسة وهنا نتسائل؟ ما موقف الفكر العربي من هذا الأصل الأول من أصول المدنية الحديثة

والجواب أنه المناصرة بغير شرط، وبغير حد، وفي غير احتياط. ذلك أن العلم وليد المنطق، والمنطق لا يرفضه ويرفض نتائجه ذو عقل. وأحسب أنا جميعا، أهل الشرق العربي،

من العقلاء وسبب آخر لمناصرة العلم، أنه سبب للرفاهية ورغد العيش ولينه، عظيم. وهو لتسهيل الحياة وتيسيرها، وليس بعقل كبير العقل من يريد الحياة خشنة، أو من يريدها عسيرة، في غير ضرورة

وسبب ثالث، أن العلم يجعل الحياة أكثر امتلاء، وهي بامتلائها زمانا، فهي أطول. والذي يعيش اليوم، في بيئة هذه الحضارة العلمية أربعين عاما، فقد عاش أربعين كثمانين من العصور الأخرى. إن سنوات العمر، كورق النقد، تعلو وترخص، ويصيبها التضخم على انحطاط قيمة، ويصيبها التقلص

وسبب رابع لمناصرة العلم، أن الناس، بسبب العلم، ولأسباب غير العلم، زادوا أعدادا، وزادوا فوق ما تسعهم الأرض، وفوق ما تكفيهم غذاء، وفوق ما تكفيهم كساء. وهذا الضيق يقوم بتفريجه العلم، فهو يفرض على الأرض أن تنتج الكفاية من الطعام، والكفاية من اللباس، والكفاية من ضرورات العيش

إن قوما يشكون الفقر قوم لا يأخذون بأسباب العلم. وكذلك قوم يشكون المرض. إن العلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>