للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

النظيف الذي يسكن فيه نظير إيجار شهري قديم لا يزيد عن خمسة جنيهات لشقة متوسطة، مكونة من ثلاث حجرات مثلا، بعد أن يؤجرها للجنود الإنجليز نظير ثلاثين جنيها على الأقل بواقع عشرة جنيهات للغرفة الواحدة، ويؤجر هو في الحي العربي شقة تماثلها بعشرة جنيهات. فيكون ربحه من هذا كله خمسة عشر جنيها، دون أن يبذل في ذلك أي جهد، أو سعي له قدم. .!!

على هذا المنوال تسير الحياة في الإسماعيلية فتنكمش على الدوام مساكن المصريين الوطنيين، وتنمو مساكن الإنجليز باستمرار، حتى في هذه الأيام التي ارتفعت فيها العاطفة الوطنية، والتي استعدت فيها النفوس للثورة القومية، والجهاد النبيل، والتي كاد يخمده زعمائها بتعلقهم بالوعود البريطانية الخلابة، فلا يزالون يثقون بهؤلاء الخونة الأنذال، وكأنهم لا يزالون يجربون مع طول التجارب المريرة السابقة. .!!

وليس من الغريب أن ترى أسرة إنجليزية صغيرة تعيش في دكان صغير ليس فيه مياه، ولم يعد ليكون مسكنا لشخص أو عدة أشخاص. . إي والله لقد رأيت هذا المنظر الغريب العجيب في حي جميل من أحياء الإسماعيلية. . وليس من الغريب كذلك أن ترى الأسر الكثيرة تسكن بيوتا من الطين لا تختلف في قليل أو كثير عن بقية بيوت الفلاحين المصريين التي حولها. . وليس بعجيب أن تمتلئ الفنادق الإفرنجية في المدينة كلها بعائلات الجنود الإنجليز، تعيش العائلة في حجرة صغيرة أعدت في الأصل ليكون بها شخص واحد أو شخصان، كما أن بعض الفنادق المصرية قد اكتظ بهذا النوع من الوجوه الكاحلة، حتى أن من العسير أن يجد المسافر مكانا في الفندق يبيت فيه ليلة أو بضع ليل. .!!

أجل ليس من الغريب أن ترى هذه المناظر. ولكن كلمة الحق التي يجب أن نسجلها في هذا المكان، هي أن النظافة تشيع في كل مكان يقطن فيه هؤلاء، كما يسوده النظام والهدوء، حتى في تلك الأماكن المتناثرة في أنحاء الأحياء الوطنية، بحيث يخيل إلى أن المصريين لو انتقلوا جميعا إلى الأحياء الأجنبية النظيفة، وانتقل الأجانب إلى الأحياء الوطنية القذرة، لعمت الفوضى بعد أيام في الأحياء الأولى، ولساد النظام والنظافة والهدوء والسكينة في الأحياء الأخرى.!

<<  <  ج:
ص:  >  >>