ومهما يكن من شيء فإن كل إسماعيلي يشعر من أعماق نفسه بكراهية عجيبة لهؤلاء الغاصبين. ويرى فيهم العدو اللدود لبلاده، سواء في ذلك الذين يستفيدون من الإنجليز بالعمل في معسكراتهم، أو الذين يتعاملون معهم بغير ذلك من أنواع المعاملات. وهي كثيرة في الإسماعيلية، حيث يوردون لهم اللحوم والخضر والفاكهة والألبان وغير ذلك، ويبنون لهم المساكن ويشيدون العمائر الضخمة الكبيرة، التي تضارع في ضخامتها وعظمتها عمائر القاهرة. .
وإن الأمل لكبير في أن تسيطر الوطنية المصرية على هؤلاء الإسماعيليين الذين تربطهم بالإنجليز صلات المادة، وتتغلب عليهم روح التضحية الخالصة، فيلبي كل منهم نداء الواجب المقدس، ويفصم ما بينه وبين هؤلاء من عري وثيقة، وصلات قوية، مهما بلغت أرباحه المادية
ولكن المخلص تتغلب عليه ناحية التشاؤم حينما يتصل من قريب بهؤلاء الذين يتعاملون مع الإنجليز من غير أبناء الإسماعيلية الخلص، وأعني أولئك الذين نزحوا من الصعيد لا يملكون شيئا، فأصبحوا بعد أعوام قلائل أثرياء أغنياء، لا تعرف كيف وصل إليهم المال، وأي الطرق سلكوا حتى أصبحوا يشار إليهم بالبنان في كل مكان. . أعني بهم هؤلاء الذين تغص بهم العربات الخاصة (البولمان) في قطر السكة الحديدية، وتضيق الشوارع في مدينة الإسماعيلية بسياراتهم الفارهة التي لا تكاد تسمع لها صوتا حينما تسير. . هؤلاء الذين يرتدون في الغالب الجاباب البلدي المصنوع من الصوف الجميل، و (الطاقية) الوبر الناعمة، الغالية الثمن، عليها (شال) ناصع البياض، وتتكون منها عمامة لا أثر للذوق فيها، ولا تصيب للوقار منها. . ويلفت نظرك خواتم كبيرة ذهبية في أصابع اليدين، منها الكبير والصغير، والفصوص الحمر والزرق، وتعجب لما بين ذلك كله من تنافر، مع ارتفاع قيمتها، وغلو ثمنها، ولكنه المال المزيف الذي يتدفق على هؤلاء من خزائن الإنجليز فيملأ منهم الجيوب، ويخرب الضمائر، ويفرغ العقول.!
إن قطع علاقاتنا بالإنجليز يوم أن يتم إلغاء المعاهدة اختيار للبطولة الوطنية، وامتحان للقومية المصرية، ويوم ذاك تبارك مصر كل من يفهم كنه هذا القرار، ويدرك حقيقة ذاك الاتجاه، وينفض يده من ذلك الوباء الماحق، والشر المبير، ويحاول سحق هذه القوة