للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تصور ما لا تدركه الألفاظ.

واسترحت إلى مقعد من المقاعد التي جهزت بها القاعات تجهيزا جميلا بديعا، ليستريح عليها الزائرون عند التعب من المشاهدة والطواف، ورحت أستعرض الملامح والسمات، وأنصت إلى الملاحظات والتعليقات.

وانقضت على في جلستي أربع ساعات كاملة، مربى في خلالها مائة وتسعة، فرادى وأزواجا وجماعات، معظمهم من الفتيات والفتيان الذين يتواعدون على قضاء بعض الوقت في حديقة المتحف، ثم في المتحف ذاته، لأنه ينبغي للفتاة الاجتماعية أن تشارك في الحديث، وأن تجد موضوعات للحديث.

كم من هؤلاء التسعة والمائة بدا عليه أن يحس شيئاً مما يرى؟ واحد فقط تلبث أمام الصورة المنتقاة نحو دقيقتين، وتلبث في القاعة كلها نحو خمس دقائق. . ثم طار.

وكررت التجربة في قاعات المتحف الأخرى، ثم كررته في متاحف أخرى في عدة مدن، ثم انتهيت إلى أن قلة نادرة من هذه الكثرة الكثيرة التي تتضمنها إحصاءات الزائرين تدرك شيئاً من هذه الثروة الفنية الهائلة، التي جمعها الدولار من كل بقاع الأرض، وبقي أن يخلق الحاسة الفنية، التي يبدو أنها لا تستجيب لسحر الدولار!

الفن الوحيد الذي يتقنه الأمريكان - وإن يكن سواهم لا يزال يفوقهم في الناحية الفنية فيه - هو فن السينما. وهذا طبيعي ومنطقي مع تلك الظاهرة التي ينفرد بها الأمريكي: ذروة الإتقان الصناعي، وبدائية الشعور الفني. وفي السينما تبدو هذه الظاهرة واضحة إلى حد كبير.

لا يرتفع الفن السينمائي بطبيعته إلى آفاق الفنون العليا: الموسيقى والرسم والنحت والشعر، ولا إلى فن المسرح كذلك، وإن كانت إمكانيات الصناعة الفنية وإمكانيات الإخراج في السينما أوسع بكثير. وأقصى ما يصل إليه فن الإخراج في السينما من إبداع. هو أقصى ما يبلغه فن التصوير الشمسي. ثم تظل المسافة بينه وبين المسرح مثلاً، كالمسافة بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير بالريشة. هذا تتجلى فيه عبقرية الشعور، وذلك تتجلى فيه مهارة الصناعة.

والسينما فن الجماهير الشعبي، فهو فن المهارة والإتقان والتجسيم والتقريب، وهو بطبيعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>