للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واحتفل مكرم عبيد باشا بعيد الثورة فألقى خطابا رائعا اختتمها بقوله (نحن إخوان بلادا، ولكن الأخوة الحقة هي التي تجمعنا اليوم جهادا، وقد تجمعنا غدا استشهادا، وإذا ذكرتم فاذكروا على الدوام الدرس الذي علمتنا إياه الثورة، وهو أن النار التي تحرق، هي النور الذي يشرق، فليزدهم الشيطان نارا وفجورا، ليزيدنا الله فوق نورنا نورا).

واحتفل الأحرار الدستوريون بعيد الجهاد، وأعلن رئيسهم الدكتور محمد حسين هيكل باشا تأييد للحكومة في موقفها قائلا: (فلنعاهد الله والوطن على الاستعانة بكل تضحية. . وأن الوزارة هي المسئولة فيجب أن ننفذ أوامرها جميعا لمصلحة البلاد)

وهكذا تجلت وحدة الشعب المصري في وقوفه أمام الغاصب الأجنبي، وأن الوحدة الرائعة ستكون العامل الأكبر في انتهاء الاحتلال وتحقيق وحدة وادي النيل إن شاء الله.

١٤ نوفمبر ١٩٥١:

إذا كان يوم نوفمبر هو عيد الجهاد فإن يوم١٤ نوفمبر هو عيد الشهداء، وقد احتفلت به مصر في هذا العام فكان احتفالها به أروع احتفال. لقد سجل التاريخ هذا اليوم من أيام مصر في أبرز صفحاته.

أرادت مصر أن تحيى ذكرى شهدائها الأبرار فقررت القيام بمظاهرة صامتة يشترك فيها المواطنون على اختلاف طبقاتهم وهيئاتهم وأحزابهم. ومنذ الصباح الباكر أخذ طوفان من البشر يتجمع في ميدان الإسماعيلية ليشترك في هذه المظاهرة، وقد بلغ عدد من سار في المظاهرة نحو مليون نسمة، ومن شهدها نحو مليون آخر، فكانت أكبر مظاهرة شهدتها مصر.

وقد كانت هذه المظاهرة استفتاء صادقا لشعب مصر؛ وواقعا ملموسا تراه العيون وتبصره وتلمسه وتحسه. وزاد في روعة المظاهرة اشتراك المصريين جميعا فيها، إن لم يكن بأجسامهم فبأرواحهم وقلوبهم، وكذلك اشتراك الزعماء ووقوفهم صفا واحدا: مصطفى النحاس. مكرم عبيد. محمد حسين هيكل، وغيرهم.

وكذلك كان سير شيخ الجامع الأزهر بجوار غبطة البطريرك والعلماء ورجال الدين المسلمين والمسيحيين، دليلا ماديا على وحدة شعب وادي النيل.

وقد كانت المظاهرة صامتة ومع هذا فقد كان صمتها أقوى من قصف المدافع، وكانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>