المستوفي: كثير من الناس يظنون في السلطان الغفلة، والواقع غير ذلك. فإننا نراه دائماً على علم بكل صغيرة وكبيرة يقظاً لكل ما يدبره الأمراء في الخفاء، محتالاً على الجنود وفتنهم. ويقال إن له عيونا خفية منبثة في كل مكان، تنهي إليه أخبار الحوادث، ومنهم محمد بن سعيد الذي حظي عنده وصار يجالسه على مرتبته ويلعب معه الشطرنج.
التاجر: لو بذل السلطان جهده في تهذيب جنوده، وتوحيد قلوب أمرائه، وتجديد آلات حربه، والاستعداد لكل طارئ لحمدنا له بذله ويقظته وكبنا ألسنة له لا عليه. لقد سمعت أن بعض الأحكام عطل تنفيذه لعدم توقيع السلطان عليها لعكوفه على اللهو واللعب.
ولي الدين الفقيه: أنا لا أمقت من أعدائنا إلا هؤلاء الفرنجة أما الصفويون أو العثمانيون فمهما يكن من شيء فهم مسلمون، وقلوبهم - يغير ريب - أدنى إلى الرحمة والعطف. أما الفرنجة الصليبيون فلا تجمعه بنا جامعة جنس ولا تجمعه بنا جامعة جنس ولا لغة ولا دين، فأحرى بالسلطان أن يوجه جهوده ضدهم.
الشاعر: يا مولانا الشيخ! العدو عدو، ولو كان مسلماً مثلك، ما دام معتديا على وطنك. يا مولانا! إن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً. هذه أحاديث شريف هجر المسلمون اليوم العمل بتعاليمها ولهذا أصبح بعضهم لبعض عدواً، فسواء لدى أعز الصوفي البيرة أم أغار العثماني على حلب، أم عبث الفرنج بتجارتنا في بحر الهند. فكل هؤلاء أعداء الداء ينبغي أن يكافحهم السلطان، ما داموا يقتلون منا ويثخنون فينا ويطمعون في ديارنا.
المستوفي: لقد أرسل السلطان قريبه (محمد بيك) إلى ناحية (الجون) ليدبر أخشاباً لصناعة السفن ليمد بها تجريدة الهند، ومعه جماعة من الجنود، فوقعت بينه وبين الفرنجة هناك وقائع حالفه فيها النصر، وغنم ما كان لديهم من السفن. ولكنهم تربصوا به حتى قتلوه وأبادوا جنده وغنموا سفنه. وكانت ملأى بالذخيرة - أما تجريدة الهند فإن السلطان لا يفتأ يبعث إليها المدد تلو المدد، رغم ما تصاب به من هزائم، مستحثاً ملوك الهند وأمراءها على معونتها. وقد عاد (حسين) أمير الحملة وقص على السلطان أنباء الفرنجة وعبثهم، وما سواحل الحجاز وبلاد العرب والهند من قلاع وأبراج لتأمين السفن. وكان في صحبته قاصد