المستعمرين له في كل أمة يستعمرونها. ودليل آخر، محاربة الرجعيين له، والمستحوذين على السلطان من كل نوع، في الأمة الواحدة. إن ذوي السلطان إذا لم يعصمهم الله يخشون الشعوب، ويخشونها متعلمة. وهم يحاربون التعليم علانية، إن استطاعوا، ولكن أكثرهم يحاربونه خفية. وأنظر لبعض الأمم العربية لأرى كم بها من تعليم فلا أكاد أجد شيئاً. وأنظر لبعضها الآخر لأرى من أي وقت في التعليم بدأت، وإلى أي شيء قد انتهت، فأقف وأعجب. إن التعليم قد يتخذ في تخذله أحسن الدعوات، ومن هذه الدعوة إلى الروية، فإلى البطء، لأن يغيرهما لا يكون إحسان. إن شر ما يخشاه الرجعيون، وأهل السلطان، من التعليم، أن المتعلم يأبى الرجوع، ويأبى العرى، ويأبى العمل إلا مأجورا حسن الأجر. وتتفتح عينيه بالذي يصيبها من نور وتتفتح نفسه للطيبات
إن التعليم عندي مفتاح كل مغلق من مغاليق الحياة، في شرقنا هذا العربي. ولو أني خيرت بين أشياء كثيرة يعطوها العرب، ما اخترت المال، ولا اخترت الاستقلال، وأنما أختار التعليم يشمل ويعم، فهو الوسيلة إلى المال، وهو الوسيلة إلى الاستقلال، وهو الوسيلة إلى فتح كل باب مغلق يتدفق منه الخير كثيراً وفيراً
المدنية وشئون من الحياة أخرى:
بقيت أشياء أخرى من أشياء هذه المدنية الحاضرة، تتعلق بأسلوب العيش: أسلوب الغذاء، وأسلوب الكساء، وما شاكل ذلك. فهذه أشياء لا تقدم كثيراً، ولا تؤخر كثيرا، وللعربي أن يأخذ منها أو يوع. وأشياء أخرى تتعلق بالطباع والعادات وهذه ما لا تستطيع المدينة أن تفعل فيه شيئاً
معارضة المدنية الحاضرة:
هذه هي المدنية الحاضرة، وهذه أصولها. هذه هي المدنية التي أكره أن أسميها غربية، لأنها مدنية إنسانية، هدفت، لا إلى إسعاد غرب دون شرق، ولكن إلى إسعاد الإنسان أينما كان. وهدفت إلى تعريف حقوق الفرد والجماعات، وإلى تعيين الحقوق والواجبات، في أي قوم وبأي أرض. وهي مدنية، رغم يد نشأتها في الغرب، لم تصطبغ كثيراً بصبغة دينها الغالب. وأكثر مفكريها، السابقون فيها واللاحقون، وقفوا بعيدا عن الدين، تعمداً وقصدا،