جعلت فدائها الدنيا جميعا ... ولو ملكتها جعلت فداكا
وطال سراك في ليل التصابي ... وقد أصبحت لم تحمد سراكا
ستحيا في سلانيك زمانا ... ستحسد فيه عن بعد أخاكا
وتعلم أن ملكا ترتضيه ... ولعت به، ولكن ما أرتضاكا
فإن زار الكرى عينيك ليلا ... وعادك تحت طيته أساكا
تمثل في المنام لديك ناس ... تخبر عن دمائهمو يداكا
رما هم بالأفول دجاك لما ... تبدوا كالكواكب في دجاكا
وتمضي القصيدة إلى قراء العربية ومعها أخوات قالها الأحرار من الشعراء في شتى بقاع الهالم الإسلامي، فتعبر عن السرور الدافق وتنطق بما تكن المشاعر الساخطة على الأسير المعزول. ويجرف التيار بطوفانه الجائش جميع الشعراء، فيستقبلون الخليفة الجديد مهنئين ويشيعون الراحل المستبد لائمين معيرين، ولكن شوقا وحده يظهر الأسف على سقوط السلطان واندحاره، ويفيض خاطره الحزين بقصيدته الشهيرة (سل يلدزا ذات القصور) غير مستطيع أن يكبت عواطفه الملتاعة، بل ينسى الشعور العام في العالم الإسلامي ويقول عن عبد الحميد:
خطب الإمام على النظيم ... يعز شرحا والنثير
شيخ الملوك وإن تضعضع ... في الفؤاد وفي الضمير
نستغفر الله له! ... والله يعفو عن كثير
ونراه عند مصابه ... أولى بباك أو عذير
ونصونه ونجله ... بين الشماتة والنكير
ولكن ولي الدين لا يرضيه هذا الإغضاء الخاطئ، ويخاف أن تجد قصيدة شوقي مكانها في النفوس، فتميل ببعض العواطف نحو السلطان الذاهب، وتطفئ ما سطع من بريق الفرحة والابتهاج، فيلجأ الشاعر إلى مناقضتها مناقضة حارة في قصيدته التي مطلعها:
هاجتك خالية القصور ... وشجتك آفة البدور
وقد وقف بها أمام شوقي وجها لوجه، فدحض حججه، وناقض أدلته، وأفسح لنا مجال الموازنة والتحليل، وكلتا القصيدتين بعد ذلك تعلن شعور قائلها واتجاهه، وتصور تفكيره