للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأسلوبه، وهاأنذا أفصح عنهما بعض الإفصاح

بدأ أمير الشعراء قصيدته كما يبتدئ قصائد الرثاء والتأبين، فهو يسأل يلدز عن نيراتها الثواقب، ويعلن عجزها عن الإجابة المقنعة، فقد أناخ عليها الدهر كما أناخ - في البعيد الغابر - على قصور النعمان بالحيرة، فأصبح الخورنق والسدير أطلالا دارسة، وكما أنماخ - في القريب المائل - على الجزيرة وقصر إسماعيل فغاب عنهما الأنس والبهاء! وروح الشاعر في مطلع قصيدته هامسة كئيبة تعلن عن ذاتها إذ تقول:

سل يلدزا ذات القصور ... هل جاءها نبأ البدور

لو تستطيع إجابة ... لبكتك بالدمع الغزير

أخفى عليها ما أنا ... خ على الخورنق والسدير

ودها الجزيرة بعد ... إسماعيل والقصر الكبير

ذهب الجميع فلا القصور ... ترى ولا أهل القصور

فلك يدور سعوده ... ونحوسه بيد المدير!!

أما ولي الدين فيعجب لشوقي كيف تهيجه القصور الخالية من الأنيس، وتشجيه البدور الآفلة بعد السطوع، وكيف يذكر أصحاب الترف والنعيم، وينسى المقابر المليئة بالضحايا، الآهلة بالأبرياء، وكيف يكسب الدمع الغزير على طاغيه طالما أثار المدامع وأبكى القلوب، ونهب الأموال، وبدد الضياع! ويعلن أن دثور يلدز غنيمة كبرى للشعب الجريح، فستأهل بعدها الدور الموحشة، وستضئ المنازل الخربة، ويحيا المعذبون أعزة سعداء! والقارئ يلمس صدق العاطفة، وسلامة المنطق إذ يسمع وليا يقول:

هاجتك خالية القصور ... وشجتك آفلة البدور

وذكرت سكان الحمى ... ونسيت سكان القبور

وبكيت بالدمع الغز ... ير لباعث الدمع الغزير

ولواهب المال الكثير ... وناهب المال الكثير

إن كان أخلى يلدزا ... مخلى الخورنق والسدير

سيتأهلن من بعدها ... الآف أطلال ودور

بعض النجوم ثواقب ... والبعض دائمة المسير

<<  <  ج:
ص:  >  >>