للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكما بدأ البحتري قصيدته في رثاء المتوكل بوصف قصره المنيف، وما منى به من ذله بعد عزة، ثم انتقل إلى أوانس القصر وظبائه، ومقاصره وستائره، فكذلك ابتدأ شوقي قصيدته يتحدث عن القصور في يلدز ثم ينتقل إلى غانياتها الساحرات، ولشوقي سلاسة وعذوبة حين يتحدث عن هؤلاء المترعات من النعيم العاثرات من الدلال، الناهيات الآمرات على الولاة، الطيبات الأريج، الذاهلات عن الرمان بما هن فيه من خفض ونعيم، المشرفات على الممالك، بين المشارف والرفارف والزخارف! الآمنات في مسكن فوق السماك بين المعاقل والخيول والرماح وفوق غارات المغير، أجل! إن لشوقي براعة في رسم هذه الصور الفاتنة الخلابة، وإنها لتتجلى لعينيك حين تسمعه يقول:

أين الأوانس في ذراها ... من ملائكة وحور

الترعات من النعيم ... الراويات من السرور

العاثرات من الدلا ... ل الناهضات من الغرور

الآمرات على الولا ... ة الناهيات على (الصدور)

الناعمات الطيبات ... العرف أمثال الزهور

الذاهلات عن الزما ... ن بنشوة العيش النضير

المشرفات وما انتقلن على ... المسالك والبحور

أمضى نفوذاً من (زبيدة) ... في الإمارة والأمير

بين الرفارف والمشارف ... والزخارف والحرير

والدر مؤتلق السنا ... والمسلك فواح العبير

في مسكن فوق السماك ... وفوق غارات المغير

بين المعاقل والقنا ... والخيل والجم الغفير

وهؤلاء الآمرات الناهيات لا يقام لهن وزن في منطق ولي الدين، بل إنهن في نكبة السلطان ومحنته، فقد صرفنه عن التعقل والتدبير، واستلبن أموال الدولة فيما يطلبن من لآلي وعقود وحلي! فعكف على أسرابهن الفاتنات يعتصر الخدود، ويهتصر الخصور، مستمدا من فتور عيونهن فتوراً في همته وانكسارا في عزيمته. . . كل ذلك وجيش الدولة ساغب جائع لا يحد ما يقيم أوده من العيش، فأجناده صفر الوجوه، خمص البطون، يشكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>