للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المتربة والفاقة، رغم ما يمهد للحسان من أسباب الترف والنعيم، فأي مغنم عاد على الدولة من هؤلاء الفاترات الناعسات؟ وأي متربة جلبنها على الرعية بما يستنزفن من أموال وثروات! إن ولي الدين ليعكس صورتهن الخلابة في مرآة شوقي فتنقلب من مرآته دميمة مقيتة ويصور جنايتهن الكبيرة إذ يقول

ضاءت عقود الملك ... ما بين الترائب والنحور

والشيخ بات فؤاده ... في أسر ولدان وحور

ما زال معتصر الخدود ... هوى ومهتصر الخصور

وإذا انقضت ليلاته ... وصلت بليلات الشعور

أهدى الفتور لقلبه ... مابا للواحظ من فتور

واستنفرته عن الرعا ... يا كل آنسة نفور

نختال من حلل الصبابة ... في الدمقس وفي الحرير

والجند عارية مناكبها ... مقصمة الظهور

خمص البطون من الطوى ... دقت فعادت كالسيور

إن الزمان يغر ثم ... يذيق عاقبة الغرور

ثم ينتقل شوقي إلى مناجاة السلطان الأسير، فيغمره بفيض من عطفه ومعذرته، وكأنه ينظر إلى أفضاله عليه، فيأبى أن يخصه بلوم أو تقريع، فهو أرفع من أن يشمت فيه شامت، وأولى أن تراق الدموع حزنا على سقوطه!! وإذا كان قد أسلف بعض الجرائر فالله يعفو عن كثير، فلا داعي أن نطيل حسابه في محنته العسيرة. وما كان عبد الحميد - في رأي شوقي - إلا خليفة كالمنصور أو الرشيد في سالف العصر، وهما قد حفظا جلال الملك، وأبهة الخلافة، وإن استبدا مثله بالأمر، ولم يخضعا لدستور أو مشورة، ثم لا يقتصر شوقي على ذلك بل يصف السلطان بالروية والأناة وحكمه العاقل الخبير، وأي حكمة تلك التي تبطش بالناس، ومصب الدسائس وتستلب الأموال! وبمعنى أمير الشعراء في وصف العظمة الغابرة، والسلطان السالف، كأنه يتعزى بذكراها عما أَصاب سيده من سقوط؛ فهو يقول

عبد الحميد حساب مثلك ... في يد الله القدير

<<  <  ج:
ص:  >  >>