من ذا استشرت لها ولم ... تك في الحياة بمستشير
لقد استطرت بشر ... يومك كل شر مستطير
وخترت يا عبد الحميد وما ... استحيت من الختور
من عاش يستحلي الشرور ... يموت من تلك الشرور
إن الثلاثين التي ... مرت بنا مر العصور
وهبتك تجربة الأمو ... ر فعشت في جهل الأمور
من كان يدعوك الخبير ... فلست عندي بالخبير
وقد كان مجال القول ضيقاً أمام شوقي فترك عبد الحميد في منتصف القصيدة، ولجأ إلى تهنئة الخليفة الجديد باسم الإسلام ومصر، وأسهب في مديح الجيش الذي أسقط السلطان منوها بأبطاله وكماته، وقد يحس القارئ شيئاً من التناقض بين الناحيتين، وذلك هين مقبول من شاعر مجامل يودع راحلاً أسيراً ببعض ما يجب في رأيه من الإغضاء والتسامح!! والمجاملة في بعض أحوالها توقع في الحيرة والتناقض دون معابة أو مؤاخذة. على أن ولي الدين يؤاخذ شوقا مؤاخذه عنيفة، فهو - في رأيه - يتحسر على المال المبذول، والخير الدرير. إذ يتحسر على عبد الحميد، وكان عليه أن يقدر فرحة العالم الإسلامي بسقوط الخليفة دون نظر إلى عواطفه الذاتية! وكأني بشوقي وقد حز في نفسه أن يعرض به ولي الدين أعنف تعريض إذ يقول
لما أدبل من السر ... ير بكاه عباد السرير
نذروا النذور لعوده ... هيهات يرجع بالنذور
أسفوا عليه وإنما ... أسفوا على المال الدرير
والبعض كان جريره ... فسمايتيه على جرير
طلبوا له عفو الغفور ... وشذ من عفو الغفور
وقد سكت شوقي عن هذا التعريض المرير. إذ كان يلزم الصمت إزاء ما يوجه له دائماً من تجريح، وقد يكون السكوت من ذهب في بعض الأحوال. . وأظنه كذلك الآن
ونحن بعد ما تقدم من العرض السريع نستطيع أن نحكم على القصيدتين معا بسلاسة الأسلوب، وغزارة المعاني، وتنوع الأغراض، واستقامة التعبير؛ إلا أننا نلمس بين