فهمها الأمريكيون بالأمس البعيد فاستخلصوا من الذل كرامة، وفهمها الأيرلنديون بالأمس القريب فخلقوا من العدم حياة، وفهمها اليهود آخر الأمر فأقاموا من الوهم دولة! ولقد كانت اللغة الوحيدة التي خوطب بها البريطانيون هنا وهناك، كانت كما قلنا لغة النار والحديد. . وإنها في منطق الحرية لأشرف اللغات، في كل حاضر وآت!!
معالي وزير المعارف والاستعمار الثقافي:
في العدد الأسبق من (الرسالة) كتبت مقالاً عن موقفنا من الاستعمار الثقافي بدأته بهذه الكلمات: (ما هو موقفنا اليوم من الاستعمار الثقافي؟ سؤال يتردد في الأذهان ومن حقه أن يتردد، ويستقر كل لسان ومن حقه أن يستقر، ويوجه إلى معالي وزير المعارف ورجاء السائلين فيه أن يجيب)!
قلت هذا ثم أبديت رأيي فيما يجب أن يكون عليه موقفنا من اللغة الإنجليزية والثقافة الإنجليزية، بعد أن لقي المصريون من نذالة الإنجليز ما نطقت به الأقلام والأجسام، هذه بدمائها وتلك بمدادها في معرض الثورة على مظاهر الظلم والغدر والطغيان. . أبديت رأيي ملخصاً في هذه السطور:(هذه اللغة وتلك الثقافة كلتاهما تحتل مكانها المقدس في المدارس والجامعات، فلم لا نستبدل بهما لغة الألمان وثقافة الألمان، أو لغة الروس وثقافة الروس، لغة الفرنسيين وثقافة الفرنسيين؟ لما لا نفعل المعنى البعيد كامن وراء هذه الكلمات؟ المعنى البعيد الذي يتمثل في كرامتنا حين نكون (أحرار) في اختيار لغة أخرى غير لغة الخصوم، وتفضيل ثقافة أخرى على ثقافة الأعداء)؟!
كتبت هذه الكلمات كما سبق أن قلت، في عدد الرسالة الذي ظهر في اليوم السادس والعشرين من نوفمبر، وفي اليوم الثالث من ديسمبر، أي بعد ذلك بأسبوع واحد، طلعت جريدة (الأهرام) على القراء بهذا النبأ: (قرر معالي وزير المعارف أن تكون اللغة الأوربية التي تدرس في المدارس الثانوية طبقاً لقانون التعليم الثانوي الجديد هي: الفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية، على أن تكون إحدى اللغتين الأوليين أصلية، وإحدى اللغتين الأخريين إضافية، وأن يبدأ تنفيذ هذا القرار بمدارس القرار والإسكندرية هذا العام، ثم يتم تعميمه تدريجياً. . وطلب معاليه إلى الهيئات الثقافية في السفارة الإيطالية والمفوضية السويسرية ترشيح مدرسين للغتين الإيطالية والألمانية)!