كدليل على حالة دون أخرى. لذلك يخطئ الماديون من حيث أرادوا أن يتخذوا من العالم وهو بطبيعة الحال نتيجة لأسباب مجهولة دليلا ليؤولوا به مبدأ الصدفة. ومثل من حاول هذه المحاولات كمثل رجل وجد في طريقه حافظة نقود فأراد أن يعلل وجوها. . هل كان هذا عن قصد من صاحبها أم هو مجرد أنفاق. والحقيقة أن أي جواب عن هذه المسألة سيكون من باب الترجيح لا من باب التوكيد الذي هو أساس العلم الثابت وفضلا عن هذا فإن الجواب عن هذه المسألة يمتاز بقياس الشاهد على الغائب على عكس موضوعنا الأصيل. فالعلم من حيث هو نتيجة لا يصح إلا أن يكون وسيلة لتفسير أسبابه من حيث هي أسباب في ذاتها ومعلق هو بها. أما أن يتخذ مصباحا للكشف عن مبدأ أسبابه فهذا فساد دونه أي فساد. فان قال الماديون إذا سلمنا أن هذا العالم وجد عن قصد فان العالم يضم بين دفتيه من الخلل ما يتنافى مع كمال القاصد. وعلى ذلك لم يعد هناك مبرر لعدم التسليم بأن العالم جاء عن اتفاق.
قلنا إن هذا القول عليه اعتراضات يطول شرحها؛ لذلك نركز أهمها في ثلاث نقاط:
أولا - هذا القول أن صح أنه دليل على الصدفة فهو دليل سلبي.
ثانيا - البحث في صفات القاصد الكامل هو خروج عن حدود طاقة العقل البشرى، فلا يجدر بأي باحث أن يتناول فكرة القاصد وهو الله على أساس البحث في صفاته، بل يجب تناول الموضوع على أساس آخر هو مبدأ الوجود ذاته ومدى قبول العقل له. من هذا يتضح أن نظرية الصدفة القائمة على تفي القاصد بالحط من شأنه نظرية غير على أساس منهجي سليم. فضلا عن هذا فان اعتراضهم على القاصد لا يؤدي بنا إلى نفى وجوده البتة، وإنما يؤدى إلى حد كماله. ومع ذلك فهو ليس بغريب على المتألهة المحدثين وخصوصا السير جون استيوارت مل.
ثالثا - أن إقرارهم بأن العالم يحوى خللا بين دفتيه. . تناقض واضح مع قولهم بالميكانيكية الصرفة التي تمتاز بعلوها عن شوائب الشذوذ. ثم من جهة أخرى نرى هذا القول على العكس يأتي في صف القائلين بالقاصد لأنه أن دل فإنما يدل على أن ثمت قاصد صاحب إرادة حرة يفعل وراء هذا الكون ما يشاء وهو قاصد ذلك.
والآن بعد أن تناولنا أهم دعائم هذا المذهب بالنقد ووضحنا مركز هذا المذهب في نظر