الفلسفة حان الوقت لأن نتعرف على الصلة المزعومة بين هذا المذهب والعلم الحديث.
يدعي الطبيعيون انهم اعتمدوا على النظريات العلمية الحديثة فيما ذهبوا إليه، ومع هذا فأننا نجد العلم الحديث يتخلى عنهم في أخطر المواقف وأدقها.
(أ) المذهب المادي يدعى أن كل معرفة إنسانية إنما ترجع إلى حيز المحسوس، بينما علم الفسيولوجيا يقرر بأن اختصاص الجهاز العصبي لا يتعدى المعرفة المباشرة الميكانيكية؛ أما المعاني المجردة والمعاني الكلية فيترك أمرها معلقا في الهواء. وإذن فالقول بأن المعاني المجردة والمعاني الكلية ترجع أيضا إلى الحس هو قول من باب الترجيح بدون مرجحات؛ وقد أحالت ذلك بداهة العقل.
(ب) العلم الحديث لم يصل بعد إلى ماهية الكون، فهو يقرر بأن الكون مكون من أجسام وكل جسم يتألف من ذرات وكل ذرة من هذه الذرات تتألف من النواة والكهارب السالبة والكهارب الموجبة، ثم هذا كله إنما ينتهي إلى الإشعاع. . وما هو الإشعاع؟ هو تموجات. . ثم ما هي التموجات؟ هي ذبذبات، ثم يقف بك العلم الحديث عند هذا فلا يفسر لك ماهية الضوء تفسيرا مجديا اللهم إلا تفسيرات شكلية. وهكذا يعترف لك العلم الحديث أنه لا يدرى من هذا الأمر شيئا.
(جـ) يدعى أصحاب هذا المذهب المتداعي وهم في ادعائهم هذه قد صاروا من التهافت بمكان، وأصبحوا عرضة هم ومذهبهم في مهب الريح. . ريح النقد العاتية؛ أقول يدعى أصحابنا الطبيعيون أن نظرية التطور والارتقاء إنما دعامة أساسية من دعائم مذهبهم المحبوب المدلل. . وردنا عليهم في غاية السهولة نوجزه فيما يلي.
١ - نظرية التطور والارتقاء لا تبحث إلا فيما يعد أصل الحياة من نشوء بعض الأحياء من بعض على مر الزمان وتحت ظروف طبيعية معينة؛ أما البحث في أصل الحياة والقول بالتولد الذاتي وهو بيت القصيد عند المادية فليس من اختصاص التطور على الإطلاق وليس إحجام التطور عن تناول مثل هذا الموضوع ضربا من الإضراب عن العمل.
٢ - الغريب حقا - وان كان لا يستغرب من الماديين أي عمل مهما كان مخالفا لطبائع الأشياء أنهم قالوا بالتولد الذاتي ولم يثبتوه بتجربة اللهم إلا فروضا ما أنزل الله بها من سلطان، بل لو وصل المادية فيما بعد إلى إثبات التولد الذاتي بالتجربة فان هذا لا يزعزع