الفوضى، وما هو القبح في الفن إذا لم يكن هو الفوضى بلا جدال؟ لابد إذن من قواعد وأصول حين نحتاج في (تنظيم) الفن إلى تلك القواعد والأصول، ولا بد إذن من القيود التي تقررها المقاييس النقدية لتحديد القيم الجمالية!. . إن الفن في كل صورة من صوره يجب أن يعتمد أول ما يعتمد على تلك الملكة التي نسيمها (ملكة التنظيم) وكل فن يخلو من عمل هذه الملكة التي تربط بين الظواهر، وتوفق بين الخواطر، وتنسق المشاهد ذلك التنسيق الذي يضع كل شيء في مكانه، كل فن يخلو من عمل هذه الملكة لا يعد فنا، بل هو (فوضى فكرية) أساسها وجدان مضطرب، وذهن مهوش، ومقاييس معقدة أو مزلزلة. . إننا ننشد النظام، وإذا ما أوجدنا النظام فقد خلقنا الجمال، وإذا ما خلقنا الجمال فقد أقمنا بناء الفن!
هذه الكلمات الموجزة يستطيع الأديب العراقي أن يخرج منها بما يؤيد وجهة نظره حين يقول (إن الشعر المنثور ما هو إلا أفكار مشوشة مضطربة، وخواطر غريبة متنافرة، لا تجمع بينها وحدة الفكر ولا وحدة القافية. . أنا لا أستطيع أن أفهم أن هناك شعرا منثورا، بل إن الذي أفهمه أن هناك شعرا له أصوله وقواعده وقيوده، وأن هناك نثرا له مقاييسه الخاصة به، وله صفاته التي تميزه عن الشعر، فما هذا الخلط، وما هذه الفوضى الأدبية)؟
هذا رأي جميل، وإنه ليذكرني بذلك الرأي الذي عقبت به يوما على سؤال لأحد الأدباء العراقيين، حين تعرض لقيود القافية في فن الشعر ذاهبا إلى أنها تحد من حرية الشاعر، لأنها كثيرا ما نسوقه مرغما إلى كلام لم يقصد إليه ولم يهدف إلى معناه. . لقد قلت يومئذ وأنا في معرض الجواب حيث يغني الإيجار عن كل إطناب:(بقى أن أقول للمحامي الأديب في مجال الرد على ما أورده حول قيود القافية في فن الشعر، إن هذه القيود كما عرض لها حق لا شك فيه؛ من ناحية أنها تفرض على الشاعر لونا من التعبير قد لا يرتضيه. ولكن الأستاذ قد نسى أن تلك القيود لازمة من لوازم الشعر ليكون شعرا، له ذلك القالب الفني الذي يميزه عن قالب النثر، ويشير إلى ما بين القالبين من فروق)!
بعد هذا أنتقل إلى السؤال الأخير في هذه الرسالة المتزنة الواعية لأقول: لا خطر في رأي من هذه البدعة على الشعر العربي الحديث، لأن أصحابها لا وزن لهم عند من يفهمون رسالة الفن على وجهها الصحيح، ويحددون لها الغاية ويرسمون الطريق ويقررون