وفن بيراندللو يعالج مشكلة من أكبر مشاكل الطبيعة البشرية. تلك هي مشكلة (الشخصية)؛ فكم ينتاب شخصياتنا كل يوم من التغير والتقلب! وكم يعاني الإنسان في علاقاته بسائر الناس الذين يختلف بعضهم عن بعض في العادات والطباع، فيرى المرء نفسه مرغماً أن يلبس مع كل فرد ولكل حادث ولكل زمن شخصية جديدة حتى يستطيع الحياة في هذا العالم. فبيراندللو حين معالجته لمشكلة الشخصية تراه يقارن بين طبيعة الإنسان وما تميله عليه مقتضيات البيئة ومظاهر الحياة وبين ما يتبع ذلك من صراع، وما يتخلل ذلك الصراع من رياء الحياة الإنسانية وصغائرها
يريد بيراندللو أن لكل إنسان شخصيتين كامنتين فيه، هما أبداً في تناقض مستمر وحرب دائمة
أولاهما:(حيوانيته) أي شخصيته الطبيعية بغرائزها وشهواتها
وثانيتهما:(إنسانيته) أي شخصيته الاجتماعية التي تحتم عليه أن يخضع للتقاليد والأوضاع والمبادئ الجامدة، وكل ما اصطلح المجتمع على تمجيده وتقديسه
ويرى بيراندللو أيضاً أن الفرد يعتبر في حالته الطبيعية حين يتبع غرائزه وشهواته و (حيوانيته)، فان خالف ذلك وحاول أن يكون (إنساناً) يتقيد بنظم مخصوصة، ويخضع تصرفاته لقواعد مرعية، فهو في نظره قد خرج على طبيعته، وأوقف سير (حياته الحقيقة) ليدخل (حياته الوهمية) التي يتصور أنها الحياة الحقيقية وهنا يجب أن نتساءل: ما الذي يرغم الإنسان أن ينتقل من (حياته الحقيقية) إلى (حياته الوهمية) أو من (حيوانيته) إلى (إنسانيته)؟
إنه الضمير. الضمير في نظر بيراندللو هو الذي يفرق بين الإنسان والحيوان، وبين والإنسان والنبات. الضمير الذي يولد معنا يوم ميلادنا، ويصاحبنا حتى الموت هو الذي يفسر حياتنا. هو الذي يقيدنا بالأوضاع، ويخضعها لناموس الخطأ والصواب. ولكن هل استطاع الضمير أن يكبح غرائز الإنسان وشهواته ويمنعها عن الظهور والانفجار بين حين وآخر؟ لا. لم يستطع الضمير ذلك. فحيوانية الإنسان لا تزال كامنة فيه تتلمس الخروج كلما وجدت الفرصة المناسبة. وكثيراً ما تستبد بصاحبها وتعميه وتسيره في الطريق الذي تشاء. والذي يرى بيراندللو أن كل شقاء الإنسان النفسي إنما هو وليد وجود