الضمير. فقد أراد الضمير أن يكبل الطبيعة الإنسانية بسلاسل التقاليد والأوضاع الاجتماعية، بينما الضمير لا يعرف التقاليد، ولا يخضع للأوضاع. فلا الضمير إذاً استطاع أن يميت (حيوانية) الفرد فتسود (إنسانيته) على الدوام، ولا هو سمح لهذه الحيوانية أن تتحقق وفق هواها ليحيا الإنسان (حياته الحقيقية). وكانت نتيجة ذلك نشوء هذا الكفاح الدائم بين شخصية الإنسان الطبيعية وشخصيته الاجتماعية، أي بين حيوانيته وإنسانيته
هذا الكفاح القاسي بين الشخصيتين الكائنتين في كل منا هو الذي يخلق الهم الممتزج بالابتسام، والتشاؤم الممتزج بالسخرية، وذلك هو أظهر ما يميز فن بيراندللو ويطبعه بطابع خاص، على أن هذا الطابع الخاص لم يمنعه من أن يكون ملتقى عدة تيارات فكرية كان لها تأثير كبير في تفكيره. فغرابة شخصيات القصص تذكرنا بقصص الكاتب الروسي دستويفسكي والكاتب النرويجي إبسن. وطريقة تحليل نفسيات الأبطال والبطلات المضطرين الحائرين بين الحقيقة والخيال تبين لنا بأجلى بيان الأثر العظيم لنظريات العالم النفسي فرويد عن (اللاشعور) أو ما يسمونه (العقل الباطن)، والعالم انشتين عن (النسبية)، والفيلسوف برجون عن (الحركة)؛ كذلك فيها كثير من (ذاتية) الكاتب القصصي مارسل بروست
على أن هذا الكفاح يختلف نوعه في نظر بيراندللو عند الرجل والمرأة. فالرجل تتغلب عليه (شخصيته الاجتماعية) وهو لذلك يحاول جهده أن ينظم حياته ويخضعها قدر الطاقة لأوضاع المجتمع. أما المرأة فتغلب عليها (شخصيتها الطبيعية) وهي لذلك أقل من الرجل قدرة على سيادة نفسها وتقييد غرائزها وميولها. على أن هذا الاستعداد لدى كل من الرجل والمرأة هو عند بيراندللو أمر نسبي ومؤقت. فالرجل لا يستطيع أن يمنع (شخصيته الحقيقية) من أن تحطم أحياناً القالب الاجتماعي الذي وضع نفسه فيه كما في قصتي (شهوة الشرف)
' (هنري الرابع). وكذلك المرأة التي تسيرها طبيعتها تود من وقت إلى آخر أن تكبح جماح عواطفها وشهواتها كما في قصة:
فأزمة بيراندللو المسرحية تحدث عن اصطدام شخصيتي كل فرد، وهي تختلف - على ضوء ما ذكرنا - عند أبطال قصصه (أي الرجال) عنها عن بطلاته (أي النساء). فالأزمة