الأحلام القومية. ومشاهد هذا الفلم المقدس متعددة متنوعة ليس باستطاعتي أن أعرضها كلها، فاكتفى بعرض ثلاثة مشاهد منها
(المشهد الأول) قصة أول مهاجر من مكة إلى المدينة
(المشهد الثاني) النبي (ص) في خيمة (أم معبد)
(المشهد الثالث) مهرجان الوصول إلى المدينة
وسأورد على القراء هذه المشاهد الثلاثة بطريقة تنسيني عن التعليق عليها وغمرها بالاستنتاجات، إذ أنها تعرب عن مغزاها وتنطق بنتائجها. بل إن مجرد سماعها مبسوطة هذا البسط ينبه في النفوس الشعور بخطورة الهجرة وعظم شأنها، وجلال أثرها. وإنها أشد الأحداث تأثيرا في ظهور أمر النبي (ص) ونقل دعوته من طور إلى طور: من طور القول إلى طور العمل، ومن طور العرض إلى طور التنفيذ
كان خبر عزم النبي على الهجرة بلغ قريشا فأخذوا يفكرون في أمرها وصد النبي عنها، بينما هو كان يفكر في إعداد وسائلها، وتهيئة أدواتها. غير أن بعض كرام صحابته أحبوا أن يتعجلوا السفر إلى يثرب فرارا بدينهم من المشركين وأذى القساة القلوب من أهليهم وذوي قرابتهم
هاهي ذي مكة ساكنة هادئة، وقريش وادعون في بيوتهم في وقت لا ينشط الناس فيه إلى حركة ولا ممارسة عمل.
فماذا نرى؟
ترى في بعض أزقة مكة رجلا وامرأة قد أناخا بعيرا، وأخذا يحملان على ظهره أمتعتهما وأدوات سفرهما. وكان يجول حولهما صغير لهما يطلب الركوب على البعير بدلال ولجاج حتى إذا فرغا من عملهما أركب الرجل زوجته على رحل البعير، ووضع ابنها الصغير بين يديها. ثم نهض البعير فأمسك الزوج بخظامه يريد الخروج من مكة متكلا على الله. وكان هؤلاء المسافرون يتكلمون همسا، وكأنهم كانوا يريدون أن يخفوا أصواتهم فلا يشعر برحيلهم أحد، لولا أن البعير برغائه وثرثرته فضح أمرهم، ونبه أهلهم وجيرانهم إليهم. فتألبوا عليهم. وحاولوا منعهم من السفر. فجعل الرجل يجادلهم بالمعروف، ويقول إنهم لا حق لهم في معارضته. وليس لأحد منهم دين في ذمته. فانبرى له رجلا منهم قائلا: