يا أبا سلمة، اذهب أنت وحدك؛ أما زوجتك (أم سلمة) فهي قريبتنا ولا ندعك تسير بها في البلاد
فصاحت أم سلمة: وأنا أيضا لا أدع زوجي يسافر وحده وأبقى عندكم سجينة، وأخذت في مجادلة أهلها وتوبيخهم على صنيعهم الفضولي
وفي آخر الأمر تغلب أهلها عليها فانتزعوها من زوجها بالقهر عنها وعنه
عندها تقدم أهل أبي سلمة وكانوا إلى ذلك الحين ملازمين الصمت فقالوا لأهل أم سلمة: إذا كنتم ولا بد آخذين ابنتكم فإن ابنها الصغير (سلمة) لا نسلمكم إياه، ولا نسمح لكم بأخذه؛ فإنه ابننا لا ابنكم
ثم عمدوا إلى الصبي فأمسكوا بذراعه، وكان أخواله ممسكين باليد الأخرى، وما زالوا يتجاذبونه حتى خلعوا كتفه. فأعولت أمه واشتدت الضوضاء. وأخيرا غلب أهل الزوج وأخذوا الطفل
كل هذا يجري والبعير يرغو، والصغير تارة يبكي وطورا يلغو، وأبو سلمة المسكين ينظر إلى الفريقين أهلة وأهل زوجته حائرا لا يدري كيف يصنع. ثم صمم على الرحيل تاركا ابنه وزوجته إلى كلاءة الله. وامتطى راحلته وولى وجهه شطر المدينة معتمدا على ربه، مسلما وجهه إليه بجميع شراشر قلبه
وبقيت (أم سلمة) في مكة عند أهلها. أما أبنها ففي بيت أعمامه. وكانت في كل صباح تخرج إلى الأبطح حيث يجتمع الناس للنزهة والحديث فتندب حظها، وتبكي شجوها، صارخة: وا زوجاه! وا ولداه!
ولبثت على ذلك سنة حتى مر بها رجل من بني عمها فرحمها ورثى لحالها. وذهب إلى قومها. فقال لهم: ويحكم أما ترحمون هذه المسكينة؟ فرقتم بينها وبين ابنها وزوجها! فخجلوا. وقالوا لها الحقي بزوجك
قالت أم سلمة: فلم أكد أسمع هذه الكلمة منهم حتى هرولت إلى بيت أهل زوجي فأخذت ابني وأركبته أمامي على البعير وانطلقت أقصد يثرب وحدي لا يرافقني أحد. حتى بلغت التنعيم (وهو منزل على ثلاثة أميال من مكة) فصادفت هناك عثمان بن طلحة الحجبي وكان مشركا على دين قومه، ثم أسلم رضي الله عنه، فقال لي إلى أين؟ وكان بلغه خبري،