للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فقلت إلى زوجي في المدينة. قال أو ما معك أحد؟ قلت لا، إلا الله وابني هذا. فقال والله لا أدعك تسيرين وحدك. ثم أخذ بخطام بعيري وسار بي. وكنا إذا أردنا النزول أناخ البعير واستأخر عني، فأنزل وأنزل ابني، فيجيء ويأخذ البعير فيحط عنه رحله وأداته؛ ثم يربطه بشجرة؛ ثم يذهب ناحية فيضطجع. وحين الرواح يقوم إلى البعير فيضع عليه رحاه ويستأخر. فأتقدم وأركب.

وأضع طفلي أمامي ثم نسير على بركات الله

ولم نزل هكذا حتى وافينا المدينة، وإذا أناس، وإذا بينهم زوجي. فقال لي عثمان: يا أم سلمة، هذا زوجك أبو سلمة. فما كان أشد فرحنا بتلاقينا!

وكانت أم سلمة بعد ذلك إذا حدثت عن هجرتها تقول: ما رأيت قط صاحبا في سفر أكرم من عثمان بن طلحة

ندع أم سلمة وزوجها في المدينة قريري العين، يجمع الشمل بعد البين، ثم نرجع في الحافرة: (أي في الطريق التي جئنا منها) ولا نزال نجد السير حتى نبلغ منتصف الطريق فماذا نرى؟

نرى خيمة قد نصبت على قارعة الطريق. وهي خيمة (أم معبد). وأم معبد هذه امرأة برزة جليلة (والمرأة البرزة في لغة العرب هي التي تبرز إلى الرجال فتجالسهم وتحادثهم) وقد اتخذت أم معبد في منتصف الطريق بين مكة والمدينة خيمة أعدت فيها كل ما تستطيع تقديمه لراحة المسافرين. فكان المسافرون الذين يتعبهم السير، والطريق طويل والحر حر الحجاز، يعرجون على خيمة (أم معبد) فيجدون فيها ما هم في حاجة إليه من طعام وشراب واستجمام وحديث عذب نزيه تطرفهم به صاحبة الخيمة فكانت خيمتها أشبه بمحطة من محطات سكك الحديد أو فندق من فنادق المسافرين التي تقام في الطرقات الشاسمة، وام معبد هي مديرة ذلك الفندق المتواضع ولما أشرفنا على أم معبد رأيناها منهمكة في تهيئة ما يلزم لركب كريم نزل بها: سيدان وخادمان. وأحد السيدين يمتاز في حسن سمته، وجلالة قدره، وجمال طلعته. وكنا نرى رفاقه الثلاثة يحيطون به: يرفهون عنه، ويبتغون راحته، ويسارعون في خدمته

أما (أم معبد) فكانت موزعة الفكر، ذاهلة اللب، كأنها مأخوذة بمهابة ذلك السيد الذي نزل

<<  <  ج:
ص:  >  >>