والقاهرة والقيروان! وإذا هذه القبائل المتفرقة تخرج الجيش الذي فتح الشرق والغرب، وملك ثلثي العالم المتمدن في ثلث قرن! وإذ هذه الأمة الجاهلية تنجب الأساتذة الذين علموا الدنيا، وأرشدوا أهلها، وأقاموا أعظم حضارة عرفها البشر، حضارة خير وحق وجمال، ليست حضارة قتل وتدمير، ومصائب وإنكليز، ويهود وبارود، وقنبلة ذرية. . .
وأمامكم من هذه الأمثلة مئات
بل إننا نستطيع اليوم في كل قطر عربي أن نضرب من أنفسنا الأمثال
إنه لا ينقصنا لنعز ونسود، ونسير على سنن الجدود، إلا حرب تنبه، أو زعيم عبقري يقود. إننا لا نريد إلا أن يتحمس العرب، أو يغضب العرب، أو يخاف العرب، فتوقظهم الحماسة، أو يثيرهم الغضب، أو يحركهم الخوف، فيرجعوا إلى مكان الصدارة بين الأمم
إن سوريا الصغيرة تستطيع أن تكون من الدول الأوائل على وجه الأرض حضارة وعلما وقوة ومالا
لا. لا تقولوا نحن قليل، فاليهود أقل منا.
لا تقولوا: نحن قليل، فإن أرق دول أوربة رقيا، وأفضلها حضارة، هي أقلها ناسا، وأضيقها رقعة: سويسرا وهولندا ودول الشمال. ونحن أحسن من بعضها موقعا من الأرض، وبلادنا أوسع، وخيراتها أكثر، ونحن أسرع سيرا في طريق النجاح
ألا ترون ما صنعنا من (يوم الجلاء) إلى اليوم؟
أما عملنا في خمس سنين ما لم نعمل مثله في خمسين سنة؟
أما صار لنا جيش؟ أما غدت لنا جامعة؟ أما أقيمت في بلدنا (معامل الشركة الخماسية) التي شهد كل من رآها بأن الحضارة لم توجد اليوم أعظم منها؟ أما استبدلنا بالمحاريث التي كانت تجرها البقر أضخم الآلات فزادت زراعتنا أضعافا؟
هل لأمة مثل ما لنا من الحزم والعزم، وركوب الفوات، واقتحام اللجج، والضرب في الأرض؟ هل على ظهر هذه الكرة بلد ليس فيه رجال منا، نزلوه فقراء فصاروا فيه من كبار الأغنياء؟ أليس في الأمريكتين وفي أوربة كلها وفي السنغال وفي الكونغو وفي الكاب وفي شنغهاي وفي اليابان رجال من الشام يجاهدون للمال، ويعملون للغنى، ويدهشون أهل كل بلد نزلوه، بتلك الهمم وهاتيك العزائم؟