كان - ولا يزال - يولي الأبحاث الغربية الحديثة، ومن بينها علم النفس والتربية، عناية فائقة لينأى بالفكر العربي عن جموده وقيوده، ويطلق أمامه الباحات الرحيبة للسير، والأجواء الفسيحة للتحليق. ونحن الآن وقد جاوزنا التعلم إلى التعليم، وانتقلنا إلى تدريس اللغة العربية بالمدارس الثانوية نجد تلاميذنا في حاجة ماسة إلى مجلة أدبية تقيم الألسنة المعوجة، وتشد التفكير الواهن، وترفع الخيال الهابط، ولن تكون هذه المجلة غير الرسالة، فقد نجحت تجربتنا معها - ومع الآلاف من قرائها - أتم نجاح، وكانت نعم الناصر المعين
ولقد أطلت الحديث عن الرسالة في الأدب والثقافة، وتركت أثارها في الأخلاق والسلوك، وما أظنك تجهله، فقد انتشرت المجلات الخليعة التي تتملق الغرائز، ووقفت الرسالة أمام التيار الجارف تدعو إلى المثل العليا والأخلاق القومية، وتشن الحرب على التخنث والمجون، وقد حاربت الأدب المكشوف محاربة منتصر، فدحضت حجة هؤلاء الذين لا يرون في الأدب والشعر غير الحديث عن الفضائح والمخزيات، متشبعين بما تذيعه الصحف الملوثة عن الفضائح بودلير وفلوبير وجيد ولورنس! وكأن هؤلاء لم يرزقوا البيان الناصع إلا لشذوذهم الوضيع وإسفافهم الشائن، في رأي جماعة من المحررين، وقد ساهم مع الزيات في إيجاد أدب خلقي رفيع صفوة من أصدقائه وحواربيه، وعلت في سماء الرسالة صيحات الرافعي وعزام والزيات وفريد وجدي والطنطاوي وخلاف وقطب وإضرابهم من حماة الفضيلة والأخلاق. ولا زلت أذكر أن الأستاذ الزيات قد كتب مقالا عن تاجر يحاول أن يتحلل من قيود الخلق والكرامة لينجح في تجارته، مدعيا أن الغش والنفاق هما طريق زملائه إلى الثراء. وما كاد الزيات يفضحه أمام القراء حتى انبرى عبد الوهاب عزام وأمين الخولي وعلي الطنطاوي والزيات مرة أخرى ينتصرون للفضيلة في مقالات حارة تهدي إلى طريق النجاح، وأنا - بكل صراحة - حين أعلل اندفاعي إلى جماعة الإخوان المسلمين أجد الرسالة ذات أثر غير مباشر في ذلك، فقد غرست في نفسي حب العروبة ونصرة الإسلام، وبغض الاحتلال، كما رسمت بأقلام كتابها صورا واضحة للمسلم الأبي الغيور، وقد وجدت أهداف الإخوان لا تخرج عن ذلك. بل أذكر أني حضرت ذات ليلة مجلس الأستاذ الزيات في ندوة الرسالة فسمعته يتحدث عن محاربة الاستعمار للشرق والإسلام بكل سلاح مدمر غير مشروع، ثم انتقلت عقب ذلك إلى مجلس المغفور له الأستاذ